قوله تعالى : (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً).
أي لمن دخل شريعتي مؤمنا وهذه الحال إما مؤكدة ؛ لأن دخول يستلزم الإيمان ، وإما مبنية لأن مؤمنا اسم فهو دال على الثبوت ، أي لمن دخل شريعتي ثابتا على الإيمان فيرجع إلى كونها مؤكدة.
قوله تعالى : (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ).
ابن عطية : هذا رد مطّرد في كل ملة ، والذي استجاب دعوة نوح فأغرق أهل الأرض جدير أن يستجيب له فيرحم بدعوته المؤمنين ، انتهى ، وهنا سؤال وهو أن دعاء نوح عليهالسلام للمؤمنين بالمغفرة إما أن يراد به عدم مؤاخذة العصاة بذنوبهم أو لا ، وعلى كل تقدير فيشكل باعتبار الفهم بأن يقال : فلا يبقى لشفاعة نبينا صلّى الله عليه وعلى آله وسلم الواردة في الحديث الصحيح ؛ لأنه أريد بالمغفرة عدم المؤاخذة بالذنب أن تكون أمة نبينا محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم لا يدخلون النار فلا يحتاجون إلى الشفاعة ؛ لأن الظن بهذه الدعوة أنها مستجابة ، وإن أريد بالمغفرة الصفح عنهم بعد دخولهم النار لزم أن يكون خروجهم منها بدعوة نوح عليهالسلام لا بشفاعة نبينا صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، والجواب : إما نوحا عليهالسلام أراد مؤمني أهل زمانه ، وإما بأن تناول المغفرة على تخفيف العذاب لا على عدم المؤاخذة بالذنب فهم يخفف عنهم العذاب بدعوة نوح ، ويخرجون من النار بشفاعة النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم.
قوله تعالى : (إِلَّا تَباراً).
وقال قبله (إِلَّا تَباراً) فخص تلك بالضلال ؛ لأنها في حال الحياة الدنيا وهذه في حال الموت ؛ فناسب تعقبها بالهلاك ، الزمخشري : فإن قلت : ما ضل حتى أغرقوا ، فأجاب بأن غرقهم ليس عقابا بل سبب من أسباب الموت كما يموتون بغيره من الأنواع ، الطيبي ، عن صاحب الانتصاف : هذا السؤال إنما يتقرر على قاعدة المعتزلة في التحسين والتقبيح ؛ لأن هلاك الصبيان بغير سبب قبيح عندهم ، انتهى.
يرد بأن السؤال بالإطلاق لا يتقرر إلا على قواعدهم وإما باعتبار التفصيل فيتقرر عندنا وعندهم ، فنقول إما باعتبار النقل فلا يلزم عندنا بل قد يهلكون وهم لم يعلموا شيئا ، وهم يقولون : إنما يهلكون لسبب ، وإما باعتبار الشرع فالتلازم معتبر عندنا وعندهم ؛ لأن الشرع ورد بتنعيم الطائع وتعذيب الناجين ، والأطفال لم ما يعملوا ما يعذبون عليه فيرد السؤال على مذهبنا وعلى مذهبهم.