أن الأرض إذا لم تمنع ضياء الشمس أن لا ترى النجوم بالليل ، قال شيخنا : والجواب أن هذا الظهور والإنحجاب إنما هو باعتبار الرائي لا المرئي ، ونحن في مخروط ظل الأرض فلا يدرك ما يخرج عنه ؛ لأن الخارج عنه من الشعاع مرافقنا عن أفقنا ، ومعلوم أن من هو في الظلام يرى من هو في الضوء ألا ترى أنا نرى بالليل النار البعيدة عنا ، ومن هو عندها لا يرانا ؛ فنظير الكلام الليل ؛ لأنا حينئذ في مخروط ظل الأرض فلذلك رأينا النجوم ، ولما كنا بالنهار في الضياء يمنعنا رؤية النجوم ، وإنما عبر بالطارق ؛ لأن النجوم تأتي في كل ليلة طروقا يطلع كل ليلة نجوم لم تطلع قبل ، وكان الشيخ الفقيه أبو العباس أحمد بن إدريس يقول : من نظر إلى جدي بنات نعش ، وقال أيضا (النَّجْمُ الثَّاقِبُ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) [سورة الطور : ٢٧] (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [سورة البقرة : ١٣٧] فإنه لا يلدغه عقرب ما بقي من عمره ، وإن لدغته لم تضره وذكر أنه جربه ، فصح.
قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ).
الحفظ مقول بالتشكيك ؛ فالمجنون محفوظ بأن يصاب بأكثر ... (١) ، أو المراد بالحفظ ما تضمن قوله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) [سورة الانفطار : ١٠].
سورة سبح
قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى).
فيه سؤالان : الأول : الخلق صفة فعل حادثة ، والتقدير صفة فعل قديمة ؛ لأنها إما بمعنى قضائه أو بمعنى إرادته الشيء على صفة ما دعي سابقة على الخلق فلو أخرت ، والجواب : أن ذلك بالنسبة إلى الفاعل ، وأما بالنسبة إلى المخاطب فينظر أولا إلى المخلوق وصفته ، فيعتقد أن فعله كان عن إرادته.
وتقدير السؤال الثاني لم كرر الموصول في الخلق والتقدير ، ولم يكرره في التسوية والهداية ، والجواب : أنه أشار إلى قرب التسوية من الخلق والهداية من التقدير ، وقوله (خَلَقَ فَسَوَّى) إشارة إلى وقوع خلقه على وفق مراده فالأحدب خلق في أحسن تقويم لأن ذاته أتت على وفق ما قدره الخالق وأراده.
__________________
(١) بياض في المخطوطة.