سورة أرأيت الذي يكذب بالدين
قال ابن عرفة : الخطاب للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، أو لكل واحد من الناس ، وذكروا إنما نزلت في أبي سفيان ، وخصوص السبب لا يمنع من قوم الحكم ، وإنما قال (يُكَذِّبُ) بالمضارع مع أن السياق يدل على أنه ماض لأمرين : إما للتصوير حتى كأنه أمر مشاهد في الحال ، وإما إشعارا لتأكيد إنكار ذلك لما منع الشرع من فعله ، فكأنه غير واقع ، فإن قلت : قوله تعالى : (يُكَذِّبُ) يتعدى بنفسه ومفعوله متأخر عنه ، فلم عدي إليه بحرف الجر ولا يصلح أن تكون الباء سببية ، والمفعول مقدر أي يكذبك أو يكذب الرسول بسبب الدين بل بسبب الإخبار بالدين فالدين نفسه ليس هو سببا في التكذيب بل السبب الإخبار به أو الدعاء إليه ، فالجواب : إما بأن الباء ظرفية أو الفعل مضمن معنى التساوي ، أي روى في الدين أو المفعول محذوف والمجرور على تقدير مضاف كما قلتم.
قوله تعالى : (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ).
الدع : إما الترك أو الدفع بعنف ، وهنا قالوا في الواجب والمندوب : أما الواجب فظاهر ؛ لأن الذم على الترك من خصائص الوجوب ، وأما المندوب فمشكل ، قيل لابن عرفة : لا إشكال فيه إذا فسرنا الدع بالدفع بعنف.
قوله تعالى : (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ).
الطعام إما اسم فهو على حذف مضاف أي على إطعام طعام المسكين إضافة استحقاق والمسكين إذا كان أحوج [٨٣ / ٤١٨] من الفقير ، فلا يتناول الفقير ، وإن كان الفقير منه يتناوله اللفظ من باب أحرى ، قال ابن عرفة : وهذا ينظر إلى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " الصدقة برتها".
قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ).
قال الزمخشري : يتركونها حتى تفوتهم أو يصلونها من غير خشوع ، لما يكره من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات ، قال ابن عرفة : المراد بقوله (ساهُونَ) تركها بالكلية إذ لو تركها تركا كليا لما صدق أنهم مصلون فيما مضى وتاركون في الحال ، قيل : لا اسم أو لما اسم الفاعل حقيقة في الحال بلا خلاف ، واختلف فيه باعتبار المعنى إنما الخلاف في اسم الفاعل إذا أريد به الزمان ، وإنما إذا استعمل مجردا من الزمان محكوما به فلا حذف في صدقه على الماضي حقيقة كما يصدق على الحال والمستقبل.