الجحمي ، عن أبي مليكة ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " لا يحل لامرىء مسلم يسمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوء وهو يجد لها في شيء من الخير" مصدر ابن رشد هذا صحيح يشهد له ، قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ).
قوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا).
ابن عطية : أي لا تجسسوا عن مخبآت الناس وأجيزوا بالظاهر الحسن ، انتهى.
قال شيخنا : ووقع النظر بين فقهاء الزمان في بعض قضاة المغرب كان يرد الديار على الناس يتجسس عليهم فمن رأى عنده إمارة المعصية من شرب الخمر ونحوه عاقبه ، فاختلف في ذلك الفقهاء فمنهم من خطأه وجعله من التجسس المنهي عنه ، ومنهم من صوب فعله فغلبه الفساد على الناس ، والصواب فيه أن من اشتهر بذلك فالتجسس عليه مطلوب وواجب ، ومن هو مستور الحال فلا يحل التجسس عليه ، وهؤلاء الذين يغتابون الناس في حقائق الفقهاء لم أرهم كذلك قديما وحديثا ، والصواب فيه أنه إن اغتياب من هو في نسبة الشهادة أو القضاء أو الإمامة أو خطة من الخطط الشرعية فلا بأس للفقيه أن يسمع ذلك ويصغي إليه ، وحيث تتقرر عنده عدالة ذلك الشخص المقول فيه ذلك أو جرحته فيقدمه في تلك الخطة أو يؤخره عنها سواء كان ذلك الفقيه السامع للغيبة قاضيا أو غيره لأنه قد يستشار معه ، ويقلد في الأمور ولا يحل سماع ذلك إلا لمن هو بتلك المنزلة ، ومن ليس كذلك إذا سمع ذلك فليخرج ويتركه ، وأما غيبة من ليس فيه قابلية الخطة فلا يحل سماعها لأحد بوجه.
ابن عطية : وحكى الزهراوي ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، أنه قال : " الغيبة أشد من الزنا لأن الزاني يتوب الله عليه والذي يغتاب فلا يتاب عليه حتى يستحل" ، انتهى.
قال شيخنا : هذا الحديث لم يصح ، وقيل : الزنا أشد من الغيبة بثلاثة أوجه :
الأول : إمكان التحلل في الغيبة بخلاف الزنا فإنه [٦٩ / ٣٣٦] إذا ولدت منه فنسب ذلك الولد ثابت لا يرتفع.
الثاني : أن الغيبة حق لآدمي والزنا حق لله وحق الله أكيد.
الثالث : أن الغيبة استثنى منها بعض العلماء بعض الصور فأجازوها بخلاف الزنا فإنه يحرم مطلقا.