احتراس بعد قوله : (فَتَوَلَ) بمعنى أن توليه إنما هو بمعنى عدم التمالك عليهم لا محض المشاركة بين أن التذكر ينفع لمن حصل له الإيمان بمعنى إقامة حدوده ، وطاعاته ، وفروع تكاليفه ، ويحتمل المراد من سيحصل له الإيمان ، والأول أظهر ، ثم أكد الأمر بالتذكير بكون الجن والإنس خلقوا للعبادة لا غير ، وظاهر الآية مشكل لأنهم خلقوا لغير ذلك عقلا إذ فيهم كثير من العصاة ، والدليل الظني السمعي إذا خالف الدليل العقلي يجب تأويله عند المحققين ، فاضطر المفسرين إلى تأويل الآية فذكروا وجوه.
فإن قلت : في الآية دليل المعتزلة في تعليل أفعال الله تعالى ، قلت : التعليل قسمان ، تعليل بمعنى أن الفعل مقصود به الفرض ، ولو لم يكن لما حصل ذلك الفرض ، فهذا عندنا لا يجوز في حق الله تعالى لاستلزامه النقص والافتقار ، وتعليل بمعنى ربط الأسباب بمسبباتها ، ولو شاء أن يقع دونها لوقعت لهذا جائز في حق الله تعالى وهو المراد في الآية.
الزمخشري : فإن قلت : لو أراد العبادة منهم لكانوا كلهم عبادا ، قلت : إنما أراد منهم أن يعبدو مختارين للعبادة لا مضطرين إليها لأنه خلقهم متمكنين فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريدا لها ، ولو أراد على القسم والإلجاء لوجدت من جميعهم عبادة ، انتهى. هذا السؤال مشكل ، وجوابه مشكل والعجب من الطيبي كيف لم يتعرض لذلك ، لأن هذا السؤال إنما يتوجه على مذهب أهل السنة إذ هو باطل عند المعتزلة والمورد للسؤال إنما يأتي فيه بما هو باطل عنده فيورده على معنى الشبهة على مذهبه.
والزمخشري : لا يقول أنه لو أراد العبادة لكانوا كلهم عبادا ، وإنما يقوله أهل السنة فكيف نورد عين مذهبه بسؤال على مذهبه ، وإنما كان نورده أن لو كان مخالفا لمذهبه فيورده شبهة على مذهبه ، ثم أجاب الزمخشري : بجواب غير مطابق للسؤال لأن الإرادة عندهم إنما تتعلق بفعل المريد ، والعبد عندهم بخلق أفعاله وفعله الاختياري مخلوق له فهو غير مراد الله بخلاف فعله القسري الإلجائي.
فإن قلت : لما عدل في الآية عن صريح الحقيقة إلى المجاز ، ولم يقل : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا) لأكلفهم العبادة؟ قلت : تهييجا على العبادة وعلى الاتصاف بها بالفعل.
ابن العربي في سراج المريدين في اسم [٧٠ / ٣٤٥] العابد خفيت هذه الآية على المبتدعة وأهل السنة ، فقال بعض المبتدعة : أراد منهم العبادة ففعلوا ما أرادوا.