المدينة إلى مكة مرتدين عن دينهم الإسلام فمات بعضهم على ذلك ، وقتل بعضهم على ذلك ، وأسلم بعضهم بعد ذلك.
ثم حث المؤمنين على النفقة فى سبيل الله ، فقال : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) يعنى ما عند الله من الثواب والكرامة والجنة (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) من المال ، ويقال : لن تنالوا البر لن تبلغوا إلى التوكل والتقوى (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ) شيئا من المال (فَإِنَّ اللهَ بِهِ) وبنياتكم (عَلِيمٌ (٩٢)) يقول : أى شىء تريدون به وجه الله أو مدحة الناس (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) كل طعام حلال اليوم على محمد وأمته كان حلالا على بنى إسرائيل أولاد يعقوب (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) يعقوب (عَلى نَفْسِهِ) بالنذر (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) من قبل نزول التوراة على موسى حرم يعقوب لحم الإبل وألبانها على نفسه ، فلما نزلت هذه الآية سأل النبى (صلىاللهعليهوسلم) اليهود ، فقال : «ما الذى حرم إسرائيل على نفسه من الطعام؟» فقالوا : ما حرم إسرائيل على نفسه شيئا من الطعام ، وكل ما هو اليوم حرام علينا من نحو لحم الإبل وألبانها ، وشحوم البقر والغنم وغير ذلك ، كان حراما على كل نبى من آدم إلى موسى ، صلوات الله عليهم ، وتستحلونه أنتم وادعوا تحريم ذلك فى التوراة ، فقال الله لمحمد (صلىاللهعليهوسلم) : (قُلْ) لهم (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) فاقرءوا تحريم ما ادعيتم فيها (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣)) فيما تدعون فلم يأتوا بالتوراة وعلموا أنهم كانوا كاذبين ليس فيها ما يقولون.
فقال الله : (فَمَنِ افْتَرى) اختلق (عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد البيان فى التوراة أنهم كاذبون (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤)) الكافرون الكاذبون على الله (قُلْ) يا محمد (صَدَقَ اللهُ) فى قوله : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) ويقال : قل يا محمد صدق الله فيما قال من التحريم والتحليل ، (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) دين إبراهيم (حَنِيفاً) يعنى مسلما (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)) على دينهم (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ) مسجد (وُضِعَ لِلنَّاسِ) بنى للمؤمنين (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) يقول : الذى هو ببكة ، وبكة هو موضع الكعبة ، وإنما سمى بكة ، لأن الناس يبك بعضهم على بعض من الزحام فى الطواف (مُبارَكاً) يعنى موضع الكعبة فيه المغفرة والرحمة (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦)) قبلة لكل نبى ورسول وصديق ومؤمن (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) علامات مبينات أوله (مَقامُ إِبْراهِيمَ) وحطيم إسماعيل والحجر الأسود (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) من أن يهاج فيه (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ) على المؤمنين (حِجُّ الْبَيْتِ) الذهاب