قال : يعني أحياء يوم القيامة ، ووصفهم بذلك في الحال لقرب القيامة عند الله ، كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(١) ، ومعنى (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي في علم الله ، وبعضهم قال : أحياء بالذكر ، وبعضهم قال : أحياء بالإيمان (٢) ، وإرادة هذه المعاني بالآية غير ممتنعة ، فإن المؤمنين أحياء بكل ذلك ، كما قالوا ، ولكنهم مع ذلك أحياء بالأرواح على ما ورد به الخبر ، وزعمهم أن ما ورد من الأخبار في أرواح الشهداء ليس بصحيح ، فإن العقل لا يقتضي ذلك ، فهم إن عنوا العقول الصدئة التي عناها من قال : فلان لم
__________________
ـ كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ؛ والأعراض لا ريح لها ، ولا تمسك ، ولا تؤخذ من يد إلى يد» الروح ص (١٢٤ ـ ١٢٦).
(١) سورة النحل ، الآية : ١.
(٢) وحاول بعض المعتزلة تخصيص ذلك ، فقال القاضي عبد الجبار : «وربما قيل في قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) : كيف يصح ذلك وقد قتلوا وماتوا؟ وجوابنا أن المراد شهداء أحد ، بين تعالى أنه قد أحياهم ، فلا ينبغي أن يظن فيهم أنهم أموات ...» تنزيه القرآن عن المطاعن ص (٨٣) ، ويبدو أن المعتزلة مضطربون في هذا الموضع ، فما حكاه الراغب عن بعض متأخري المعتزلة يخالف ما قاله القاضي عبد الجبار ، وكلاهما مخالف لما قاله الزمخشري الذي قرر أن جميع الشهداء أحياء (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي مقربون عنده ذوو زلفى ، (يُرْزَقُونَ) مثل ما يرزق سائر الأحياء يأكلون ويشربون ، وهو تأكيد لكونهم أحياء ووصف لحالهم التي هم عليها من التنعم برزق الله. انظر : الكشاف (١ / ٤٣٩).