الملاذّ الدنيوية غير متنافس فيها ذمّ الفرحين بها ، ولما كانت الملاذّ الأخروية متنافسا فيها ، كما قال : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)(١) أباح لهم الفرح بها ، حتى قال : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)(٢).
وأما استبشارهم بالذين لم يلحقوا بهم ، فتنبيه أنهم يعرفون نعمة الله بالموت والقتل في سبيله ، ويسرون إذا أخبروا بقتل أو موت إخوانهم بخلاف أبناء الدنيا (٣) ، وقوله : (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) متضمن لذكر كل شيء يكدر الحياة ، فإن ما يعرض في الدنيا : إما خوف لوقوع محذور ، أو حزن لفوت محبوب ، والضمير في : (عَلَيْهِمْ) يجوز أن يكون ضميرا للذين لم يلحقوا بهم ، وأن يكون للمستبشرين ، وأن يكون لهما ، إن قيل : / لم رفع (أَحْياءٌ) ونصب (فَرِحِينَ؟) قيل : لأن (فَرِحِينَ) حال للذين قتلوا ، والنصب به أولى ، و (أَحْياءٌ) استئناف ، ولو نصب لكان معناه : بل احسبهم أحياء ، ولم يرد ذلك ، وإنما أرادبتّ الحكم بكونهم أحياء (٤).
__________________
(١) سورة المطففين ، الآية : ٢٦.
(٢) سورة يونس ، الآية : ٥٨. وانظر : البحر المحيط (٣ / ١١٩).
(٣) انظر : جامع البيان (٧ / ٣٩٥) ، والوسيط (١ / ٥٢١) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٧٩) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٣٥) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٩٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٧٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٠٤).
(٤) قال الزجاج : «القراءة بالرفع (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ). ولو قرئت : بل