ولمّا ذمّ فيما تقدم كفار أهل الكتاب بيّن ها هنا : أن من خالفهم في سوء اعتقادهم وأفعالهم فحكمهم بخلاف حكمهم ، وذكر ما فيه تنبيه على الإيمان والأعمال الصالحة ، وترك تتبّع دقاق المطامع ، وذلك أحكام الشرع. إن قيل : ما فائدة قوله : (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(١) ها هنا؟ قيل : الحساب إشارة إلى الثواب المجعول لهم في مقابلة فعلهم (٢) ، وسمّاه حسابا لقوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٣) وبيّن بقوله : سريع الحساب أنّ ذلك لا يتأخر عنهم ، لما كانت النفس مولعة بحبّ العاجل (٤) ، ونبّه على أمرين : أحدهما : ما يجعل لهم في الدنيا المدلول عليه بقوله : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٩٩.
(٢) قال أبو حيان : «... والمعنى أجرهم قريب إتيانه سريع حسابه ، لنفوذ علمه ، فهو عالم بما لكل عامل من الأجر» البحر المحيط (٣ / ١٥٦) ، وانظر : جامع البيان (٧ / ٥٠١) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣٢٨) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٣٦).
(٣) سورة الأنعام ، الآية : ١٦٠.
(٤) هذا اقتباس من بيت لجرير من بحر الكامل وتمامه :
وإني لآمل منك خيرا عاجلا |
|
والنفس مولعة بحب العاجل |
انظر : ديوان جرير ص (٤١٥) ، والبيان والتبيين (٣ / ٢٦١) ، ومجمع البلاغة (١ / ٣٨٧) ، ومجمع الأمثال (٢ / ٣٣٣).