إن قيل : لم قال : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا) ، ثم قال : (فَلْيَتَّقُوا اللهَ)؟ وهل بين الخشية والتقوى فرق؟ قيل : الخشية الاحتراز من الشيء بمقتضى العلم (١) ، ولذلك وصف به العلماء في قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٢). والتقوى جعل العبد نفسه في وقاية مما يخشاه (٣) ، ولذلك قال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) إلى قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(٤) ، فالخشية مبدأ التقوى ، والتقوى غاية الخشية ، فأمر الله تعالى بمراعاة المبدأ والنهاية (٥) ، إذ لا ينفع الأول دون الثاني ، ولا يحصل الثاني من
__________________
(١) قال الراغب : «الخشية : خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه» المفردات ص (٢٨٣). وقال العسكري : «والخشية تتعلق بمنزل المكروه ، ولا يسمى الخوف من نفس المكروه خشية ، ولهذا قال (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) [الرعد : ٢١]». الفروق ص (٢٦٥).
(٢) سورة فاطر ، الآية : ٢٨.
(٣) قال ابن رجب : «وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه ...» جامع العلوم والحكم (١ / ٣٩٨).
(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢١.
(٥) اعتمد الراغب في التفريق بين معنى : التقوى والخشية على المعنى الأصلي للفظتين ، وقد نظر الأخفش إلى السياق وجعل الكلمتين بمعنى ، وأنّ الثانية توكيد للأولى ، قال : «فليخشوا : أي فليخشوا هذا. أي : فليتقوا ، ثم عاد أيضا فقال : فليتقوا الله» معاني القرآن (١ / ٤٣٥). وانظر : معنى