من زنى بها (١) ، والصحيح أنه للعقد ، لأن أسماء الجماع والفرج والغائط في لسانهم كنايات (٢) ، وذلك أنهم لما عنوا بإخفاء هذه الأشياء أخفوا أيضا أسماءها ، فعدلوا عن التصريح إلى الكنايات ، حتى إنهم متى عرف فيما بينهم كناية في شيء من ذلك عدلوا إلى كناية أخرى ، ومن تتبع كلامهم عرف ما قلته ، فكيف يستعيرون لفظ الجماع لما هو أحسن عندهم منه (٣) ، ثم لا خلاف أن العقدية مراد ، ولا خلاف أيضا أن الوطء بملك اليمين يجري مجرى العقد في العقد بها ، وقوله : (ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) قيل : هو في موضع المفعول ، فوضع ما الذي هو للجنس موضع من الذي هو
__________________
(١) انظر : قول الإمام الشافعي في : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١١٣) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٧٠) ، والتفسير الكبير (١٠ / ١٥) وما بعدها. وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٧٩).
(٢) فالجماع في الأصل : الاجتماع ، والفرج في الأصل : كل فرجة بين شيئين ، والغائط : المكان المنخفض. ثم كنّي بها عن الوطء والعورة والعذرة.
انظر : العين (٦ / ١٠٩) ، والقاموس المحيط ص (٦١٢) و (٦٤٠).
(٣) بيّن الراغب رأيه أكثر في المفردات ، إذ قال : «أصل النكاح للعقد ، ثم استعير للجماع ، ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد ، لأن أسماء الجماع كلها كنايات ، لاستقباحهم ذكره كاستقباحهم تعاطيه ، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه». المفردات ص (٨٢٣).