ومنهم من أخذه أعم من ذلك ، فقال : إن الله تعالى شرع لكل أمة عبادة ومكارم ، ولم يختلف حكم أصولها ، وإن اختلفت فروعها ، وعلى ذلك قال : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(١) فبين أنه يريد أن تكون هذه الأمة جارية مجرى هؤلاء في ذلك (٢) ، وقيل : عنى أنه يبين لكم طريق من قبلكم إلى الجنة ، وهو المسئول في قوله تعالى : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(٣) ، وبين أنه أراد به ذلك لعلمه وحكمته.
قوله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)(٤) الآية. الميل وإن كان عاما في الميل إلى الخير والشر ، فالمقصود به ههنا الجور عن قصد السبيل (٥) ، ولما كان جميع عبادة الله بالقول المجمل ضربين ؛
__________________
ـ وهي ملة إبراهيم عليهالسلام». معالم التنزيل (٢ / ١٩٩).
(١) سورة الشورى ، الآية : ١٣.
(٢) انظر : المحرر الوجيز (٤ / ٨٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٨) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٨).
(٣) سورة يوسف ، الآية : ١٠١. قال الزجاج : «أي يدلكم على طاعته كما دلّ الأنبياء والذين اتبعوهم من قبلكم» معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٤٣).
(٤) سورة النساء ، الآية : ٢٧ ، ونصّها : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً).
(٥) انظر : جامع البيان (٨ / ٢١٢) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٤٤) ،