الامر بين الامرين
إذا عرفت فساد قول هاتين الطائفتين ـ أي قول الجبرية ، والمفوضة ـ وشناعة تينك المقالتين.
فاعلم أن الحق هو القول بالامر بين الامرين الذي هو الخير كله ، وقد مر تقريبه وتوضيحه بالمثال ، ففعل العبد الاختياري وسط بين الجبر والتفويض ، لانه بعد ما عرفت من نفى الجبر والتفويض بالبرهان العقلي.
فالافعال الاختيارية الصادرة عن العباد بما أنها تصدر منهم بالاختيار وليس في صدورها منهم قهر واجبار ، فهم مختارون فيها ، والافعال تستند إليهم وهم الموجدون لها.
وبما أن فيض الوجود والقدرة وسائر المبادئ يكون بافاضة الله تعالى آناً فآنا بحيث لو انقطع الفيض لما تمكن العبد من ايجاد الفعل ، فالفعل مستند إليه تعالى.
وكل من الاسنادين حقيقي ، فالعلم ينادى بأعلى صوته موافقا لمذهب الحق انه : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين.
والآيات القرآنية كما مر ناظرة إلى هذا المعنى ، وان اختيار العبد في فعله لا يمنع من نفوذ قدرة الله وسلطانه.
وما حققناه وأوضحناه وأوضحنا المنزلة بين المنزلتين ووفينا دليلها ، دقيقة غامضة تكون من أسرار العلوم الالهية وخلاصة الفلسفة الحقة ، مأخوذة عن