أم (١)
إذا قلت : أزيد في الدار أم عمرو؟ فأنت لا تدري أيهما في الدار ، ولا تدري أن أحدهما فيها أو لا ، ويصلح في جوابه لا ونعم ؛ لأنك تسأل عن الكينونة هل حصلت في الدار أم لا فإذا علمت أن أحدهما في الدار ولست تدري أيهما هو قلت : أزيد في الدار أم عمرو ، ولا يصلح في جوابه لا ولا نعم ؛ لأنك تسأل عن أحد الكائنين ففيه معنى أيهما.
قيل : وأم في القرآن على وجهين :
الأول : يكون بمعنى أو ، قال الله تعالى : (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى) [سورة الإسراء آية : ٦٩]. وقوله تعالى : (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) [سورة الملك آية : ١٧].
قال بعض أهل العربية : هي في هذين الموضعين بمعنى أو ، والمراد التحذير ، أي : لا تأمنوا ذلك واحذروه ما دمتم على الشرك.
الثاني : مجيئه بمعنى ألف الاستفهام ، قال الله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [سورة النساء آية : ٥٤] ، والاستفهام هاهنا بمعنى النهي ، وقال الله تعالى : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) [سورة الطور آية : ٣٩] أراد له البنات ، وهذا الاستفهام بمعنى الزجر والتبكيت ، قال : وليس من هذا : (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) [سورة ص آية : ٦٣] فإن قيل : لم سوى بين السخري وبين زاغت الأبصار عنهم؟ ، قلنا : لأن المعنى أظلمناهم بما قلنا فيهم وبما سخرنا منهم أم هم مستحقون له وقد زاغت أبصارنا عنهم وهم في النار ، فهذا حق التسوية.
والصحيح في هذه الآيات أنه لما جاء بلفظ الاستفهام في أول الكلام جاء بأم بعده لأنه للاستفهام ، والمراد بالاستفهام فيها التبكيت أو التعريف والتوقيف على ما ذكرناه ، وقال :
__________________
(١) " أم" : حرف في معنى" أو" ، ويكون في المعنى كأنّه استفهام بعد استفهام. ويكون في معنى" بل". ويقولون : أم عندك غداء حاضر : وأنت تريد : أعندك؟. ويكون مبتدأ الكلام في الخبر. ويكون زائدا كقولك : جاءك أم زيد : معناه جاءك زيد. [المحيط في اللغة : ما أوله الألف].