وقال في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) لكن الذين ظلموا أيقولون أن لهم حجة فالمعنى أنه لا أحد له حجة ، والظالم يحتج بما لا حجة له فيه ، قال : ومن كلامهم : ما لأحد علي سبيل إلا من بغى فتأويله أنه لم يستثنه من باب سبيل ، ولكن معناه لكن من بغى مخطئ ببغيه فلا يكون هذا الباب منفردا من الأول البتة.
وقوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ)(١) [سورة يونس آية : ٩٨] ، وقوله : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [سورة النساء آية : ١٤٨] أي : لكن من ظلم ، ومثله كثير.
الثالث : بمعنى غير ، قال الله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [سورة الأنبياء آية : ٢٢] أي : غير الله ، وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : لا إله غيره ، هكذا جاء في التفسير.
والفرق بين إلا وغير أن إلا حرف وغير اسم وينوب مناب إلا في الاستثناء ، وقد يكون صفة ، تقول : هذا درهم غير قيراط معناه : إلا قيراطا ، وغير قيراط على الصفة ولا يكون إلا مضافا ، ولا معنى له إلا مخالفة ما يضاف إليه ، ويكون فاعلا ومفعولا وظرفا ووصفا
__________________
(١) قال ابن الجوزي : قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) أي : أهل قرية. وفي «لو لا» قولان :
أحدهما : أنه بمعنى : لم تكن قرية آمنت (فَنَفَعَها إِيمانُها) أي : قبل منها (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) ، قاله ابن عباس. وقال قتادة : لم يكن هذا لأمة آمنت عند نزول العذاب ، إلا لقوم يونس.
والثاني : أنها بمعنى : فهلّا ، قاله أبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج. قال الزجاج : والمعنى : فهلّا كانت قرية آمنت في وقت نفعها إيمانها ، إلا قوم يونس؟ و «إلا» هاهنا استثناء ليس من الأول ، كأنه قال : لكن قوم يونس. قال الفراء : نصب القوم على الانقطاع مما قبله ، ألا ترى أن «ما» بعد «إلا» في الجحد يتبع ما قبلها؟ تقول : ما قام أحد إلا أخوك ، فإذا قلت : ما فيها أحد إلا كلبا أو حمارا ، نصبت ، لانقطاعهم من الجنس ، كذلك كان قوم يونس منقطعين من غيرهم من أمم الأنبياء ، ولو كان الاستثناء وقع على طائفة منهم لكان رفعا. وذكر ابن الأنباري في قوله : «إلا» قولين آخرين :
أحدهما : أنها بمعنى الواو ، والمعنى : وقوم يونس لما آمنوا فعلنا بهم كذا وكذا ، وهذا مروي عن أبي عبيدة ، والفراء ينكره.
والثاني : أن الاستثناء من الآية التي قبل هذه ، تقديره : حتى يروا العذاب الأليم إلا قوم يونس ، فالاستثناء على هذا متصل غير منقطع. [زاد المسير : ٣ / ٣١٠].