واستثناء ، تقول : جاءني غيرك فيكون فاعلا ، وضربت غيرك يكون مفعول ، ومررت برجل غيرك وصف ، وجاءني زيد غير راكب حال ، وجئتك غير يوم ظرف زمان ، أما من المكان فطلبتك غير موضع ، وجاءني القوم غير زيد ، وما جاءني أحد غير زيد استثناء فتجريها في الإعراب مجرى الاسم الذي يجيء بعد إلا.
الرابع : ابتداء الكلام ، قال : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [سورة التين آية : ٥ ، ٦] وأسفل السافلين مثل أرذل العمر أي : الكبر ، والمعنى : والذين آمنوا فلهم أجر غير ممنون ، ولا يكون مستثنى ؛ لأن الذين آمنوا قد رد بعضهم إلى الكبر ، وقيل : معنى أسفل سافلين : جهنم ، والذين آمنوا مستثنون ، فأما قوله تعالى : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [سورة الشعراء آية : ٧٧]. فمعناه لكن ؛ لأن الله لا يستثنى من المخلوقين ، وكذلك : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) [سورة الزخرف آية : ٢٦ ، ٢٧] ، وكذلك : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ) [سورة الحجر آية : ٣٠ ، ٣١] ويجوز أن يقال : استثنى إبليس منهم ؛ لأنه كان معهم في الأمر ، وقوله : (لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) [سورة النمل آية : ١٠ ، ١١]. أي : لكن من ظلم ، وثم هاهنا بمعنى الابتداء كما تقول : أريد أن أحسن إليك ثم أكرمك ، وقوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) [سورة النساء آية : ٩٢].
قال قطرب : معناه إلا ما يسعه ؛ لأن الخطأ واسع له ؛ لأنه لا حيلة له فيه ، وقوله : (إِلَّا اللَّمَمَ)(١) [سورة النجم آية : ٣٢] مستثنى صحيح ومعناه إلا أن يكون العبد قد ألم
__________________
(١) قال ابن الجوزي : اللّمم في كلام العرب : المقاربة للشيء. وفي المراد به هاهنا ستة أقوال.
أحدها : ما ألّموا به من الإثم والفواحش في الجاهلية ، فإنه يغفر في الإسلام ، قاله زيد بن ثابت.
والثاني : أن يلمّ بالذّنب مرّة ثم يتوب ولا يعود ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والسدي.
والثالث : أنه صغار الذّنوب ، كالنّظرة والقبلة وما كان دون الزّنا ، قاله ابن مسعود ، وأبو هريرة ، والشعبي ، ومسروق ، ويؤيّد هذا حديث أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : " إنّ الله كتب على ابن آدم حظّه من الزّنا ، فزنا العينين النّظر ، وزنا اللسان النّطق ، والنفس تشتهي وتتمنّى ، ويصدّق ذلك ويكذّبه الفرج ، فإن تقدّم بفرجه كان الزّنا ، وإلا فهو اللّمم". والرابع : أنه ما يهمّ به الإنسان ، قاله محمد بن الحنفية.