الاستفهام (١)
أصل الاستفهام الاستخبار بما جاء بمعنى التوقيف والإنكار فأما الإنكار (٢) فقوله تعالى : (خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) [سورة الكهف آية : ٧١] والدليل على أنه إنكار قوله تعالى : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) [سورة الكهف آية : ٧١] ، وهكذا قوله : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) [سورة الكهف آية : ٧٤] ، ومثله كثير.
وأما التوقيف والتعريف فقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [سورة الشرح آية : ١] وتأويله أنا قد فعلنا ذلك ، ولو لا ذلك لم يعطف على : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ، قوله : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) [سورة الشرح آية : ٢] ؛ لأن لم عامله لا يقع على الفعل الماضي.
ومن التقرير قوله عزوجل : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [سورة النحل آية : ١٧] ، وأنزل تعالى قبل ذلك : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [سورة الزخرف آية : ٨٧] ثم قال : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) وجاء على وجه التوبيخ ، وذلك أنه لما كان البنون مرغوبا فيهم والبنات مكروهات ونسبوا إلى الخالق ما يكرهون ويحهم فقال : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا
__________________
(١) قال الجرجاني : الاستفهام : استعلام ما في ضمير المخاطب ، وقيل : هو طلب حصول صورة الشيء في الذهن ، فإن كانت تلك الصورة وقوع نسبة بين الشيئين ، أولا وقوعها ، فحصولها هو التصديق ، وإلا فهو التصور. [التعريفات : أسماء الأفعال].
(٢) قال المناوى : التوقيف العلم هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع أو هو صفة توجب تمييز الا يحتمل النقيض أو هو حصول صورة الشئ في العقل والاول أخص وفي البصائر المعرفة ادراك الشئ بتفكر وتدبر لا ثره وهى أخص من العلم والفرق بينها وبين العلم من وجوه لفظا ومعنى أما اللفظ ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد وفعل العلم يقتضى مفعولين وإذا وقع على مفعول كان بمعنى المعرفة وأما من جهة المعنى فمن وجوه أحدها ان المعرفة تتعلق بذات الشئ والعلم يتعلق بأحواله والثانى أن المعرفة في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد ادراكه فإذا أدركه قيل عرفه بخلاف العلم فالمعرفة نسبة الذكر النفسي وهو حضور ما كان غائبا عن الذاكر ولهذا كان ضدها الانكار وضد العلم الجهل والثالث أن المعرفة علم لعين الشئ مفصلا عما سواه بخلاف العلم فانه قد يتعلق بالشئ مجملا ولهم فروق أخر غير ما ذكرنا وقوله (وعلم هو في نفسه) هكذا في سائر النسخ وصريحه انه كسمع لا نه لم يضبطه فهو كالاول وعليه مشى شيخنا في حاشيته فانه قال وانه يتعدى بنفسه في المعنيين الاولين والصواب أنه من حد كرم كما هو في المحكم ونصه وعلم هو نفسه. انظر تاج العروس (ع ل م).