الباب الثالث
في ما جاء من الوجوه والنظائر في أوله تاء
التأويل (١)
أصل التأويل من الأول ، وهو : الرجوع ، يقال : آل الشيء ؛ إذا رجع ، وأول الكلام تأويلا ، إذا رده إلى الوجه الذي يعرف منه معناه ، وقوله : (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) [سورة الأعراف آية : ٥٣] ، أي : يأتي ما يؤول إليه أمرهم في البعث ، وقوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [سورة آل عمران آية : ٧] ، أي : ما يرجع إليه معناه ، وقيل : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) [سورة آل عمران آية : ٧] ، أي : بالبعث ، وليس بالوجه ؛ لأنه ليس للبعث هاهنا ذكر.
والتأويل في القرآن على خمسة أوجه :
الأول : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [سورة آل عمران آية : ٧] ، قال أبو علي رضي الله عنه يعني تفسير المتشابه به كله على حقائقه ، وذلك أن في القرآن أمورا مجملة ، مثل أمر الساعة وأمر صغائر الذنوب التي شرط غفرانها باجتناب الكبائر ، واستدل على هذا بقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) [سورة الأعراف آية : ٥٣] ، فجعل الموعود الذي وعدهم إياه في القرآن تأويلا للقرآن.
__________________
(١) قال الجرجاني : التأويل في الأصل : الترجيع. وفي الشرع : صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله ، إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا للكتاب والسنة ، مثل قوله تعالى : " (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)" إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيرا ، وإن أراد به إخراج المؤمن من الكافر ، أو العالم من الجاهل ، كان تأويلا.
وقال أيضا في موضع آخر : والفرق بين التأويل والبيان ، أن التأويل ما يذكر في كلام لا يفهم منه معنى محصل في أول وهلة ، والبيان ما يذكر فيما يفهم ذلك لنوع خفاء بالنسبة إلى البعض. [التعريفات : التأويل ، وبيان التفسير].