التمني (١)
يقال : تمنى الرجل الشيء ، إذا قدر في نفسه بلوغه ، ومنه : منى الله لك كذا ، أي : قدره ، وقال الشاعر :
ما تمني لك الأماني
ومنينا من فلان بكذا ، أي : ابتلينا ، ولا يقال ذلك إلا في المكروه.
وسميت المنية منية ، لأنها مقدرة ، وقيل للمني مني ، لأن الولد مقدر منه ، والتمني : قول الرجل : يا ليتني كنت كذا.
والتمني في القرآن على وجهين :
__________________
(١) قال الجرجاني : التمني : طلب حصول الشيء سواء كان ممكنا أو ممتنعا. [التعريفات : ١ / ٢١].
الفرق بين التمني والارادة : أن التمني معنى في النفس يقع عند فوت فعل كان للمتمني في وقوعه نفع أو في زواله ضرر مستقبلا كان ذلك الفعل أو ماضيا ، والارادة لا تتعلق إلا بالمستقبل ، ويجوز أن يتعلق التمني بما لا يصح تعلق الارادة به أصلا وهو أن يتمنى الانسان أن الله لم يخلقه وأنه لم يفعل ما فعل أمس ولا يصح أن يريد ذلك ، وقال أبو علي رحمهالله : التمني هو قول القائل ليت الامر كذا فجعله قولا وقال في موضع آخر التمني هو هذا القول وإضمار معناه في القلب ، وإلى هذا ذهب أبو بكر بن الاخشاد ، والتمني أيضا التلاوة قال الله تعالى"(إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ)".
وقال ابن الانباري : التمني التقدير قال ومنه قوله تعالى"(مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى)" ، وتمنى كذب وروي أن بعضهم قال للشعبي : أهذا مما رويته أو مما تمنيته أي كذبت في روايته ، وأما التمني في قوله تعالى"(فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)" فلا يكون إلا قولا وهو أن يقول أحدهم ليته مات ، ومتى قال الانسان ليت الآن كذا فهو عند أهل اللسان متمن غير اعتبارهم لضميره ويستحيل أن يتحداهم
بأن يتمنوا ذلك بقلوبهم مع علم الجميع بأن التحدي بالضمير لا يعجز أحدا ولا يدل على صحة مقالته ولا فسادها لان المتحدي بذلك يمكنه أن يقول تمنيت بقلبي فلا يمكن خصمه إقامة الدليل على كذبه ، ولو إنصرف ذلك إلى تمني القلب دون العبارة باللسان لقالوا قد تمنينا ذلك بقلوبنا فكانوا مساوين له فيه وسقط بذلك دلالته على كذبهم وعلى صحة ثبوته فلما لم يقولوا ذلك علم أن التحدي وقع بالتمني لفظا.
الفرق بين الشهوة والتمني : قيل التمني : معنى في القلب وليس هو من قبيل الشهوة ، ولا من قبيل الارادة ، لان الارادة لا تتعلق إلا بما يصح حدوثه. والشهوة لا تتعلق إلا بما مضى. والارادة والتمني قد يتعلقان بالماضي.
وقيل : الفرق بين التمني والارادة : أن الارادة من أفعال القلوب ، والتمني قول القائل : ليت كان كذا وليت لم يكن ، ويؤيده أن أهل اللغة ذكروا التمني في أقسام الكلام. [الفروق اللغوية : ١ / ١٤٢ ، ٣٠٦]