وأما قوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) [سورة الأنبياء آية : ٧٣] فمعناه سميناهم بذلك ، ومثله : جعلت فلانا لصا ، وقوله تعالى : (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) [سورة الفرقان آية ، الأنعام : ٣١ ، ١١٢] أي : وصفناهم بهذا الوصف بعد أن عادوا الأنبياء ، وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) [سورة الحديد آية : ٢٧] أراد الخبر بما في قلوبهم من ذلك ووصفه ؛ فالمجعول هو الخبر ويكون بمعنى اللطف ، وقوله : (قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) [سورة يوسف آية : ١٠٠] أي : خلقها ، ويجوز أن يكون مكن يوسف عليهالسلام فظهر صدق رؤياه ؛ فالمجعول نفس الرؤيا في الأول وفي الثاني للدلالة على صحته.
وقوله تعالى : (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) [سورة القصص آية : ٤] أي : فرقا ، والجعل راجع إلى ما به كانوا فرقا ؛ وهو الفعل الذي فرق بينهم ، وقوله تعالى : (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) [سورة القصص آية : ٣٥] أي : حجة ؛ وهو قلب الفصاحة.
وقوله تعالى : (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) [سورة العنكبوت آية : ١٠] هؤلاء قوم آمنوا فلحقهم أذى من الكفار وهزوا فكفروا ، وكان يجب أن يدعوا الكفر خوفا من عذاب الله وتركوا الإيمان خوفا من عذاب الناس ؛ فأبدلوا حكم عذاب الناس حكم عذاب الله ؛ فالحكم هو المجعول ، وقال : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [سورة الأنبياء آية : ٩١] فالمجعول فعل ما صارت به آية ، وقال : (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [سورة الزخرف آية : ٥٩] أي عبرة ، وفعل ما صار به المسيح عبرة هو المجعول.
وقوله تعالى : (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) [سورة القصص آية : ٥] فأمره بالاقتداء بهم هو المجعول ، وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) [سورة هود آية : ١١٨] أي : بالإجبار.
والجعل بعد ذلك في القرآن على ستة أوجه فيما ذكره بعض المفسرين :
الأول : التسمية ؛ قال : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [سورة الزخرف آية : ١٩] ، وقال : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) [سورة المائدة آية : ١٣] أي : سميناها قاسية.