الحبل
أصله من الإمساك ، ومنه قيل : الحابول للحبل الذي يصعد به في النخلة ، والحبالة شبكة الصائد ، والمحتبل الصائد ، وكذلك الحابل.
وهو في القرآن على وجهين :
الأول : القرآن ، قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً)(١) [سورة آل عمران آية : ١٠٣] ، أي : بكتابه ، وسماه حبلا لما فيه من توكيد الحجج والبيان ، كما يؤكد العهد ، والحبل عند العرب العهد.
الثاني : الأمان ، قال الله تعالى : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)(٢) [سورة آل عمران آية : ١١٢] ، أي : بأمان ، قال الأعشى :
وإذا تجاوزها حبال قبيلة أخ |
|
ذت من الأخرى إليك حبالها |
__________________
(١) قال الشوكاني : قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) الحبل لفظ مشترك ، وأصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية ، وهو : إما تمثيل ، أو استعارة. أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام ، أو بالقرآن ، ونهاهم عن التفرق الناشيء عن الاختلاف في الدين ، ثم أمرهم بأن يذكروا نعمة الله عليهم ، وبين لهم من هذه النعمة ما يناسب المقام ، وهو أنهم كانوا أعداء مختلفين يقتل بعضهم بعضا ، وينهب بعضهم بعضا ، فأصبحوا بسبب هذه النعمة إخوانا وكانوا على شفا حفرة من النار بما كانوا عليه من الكفر ، فأنقذهم الله من هذه الحفرة بالإسلام. [فتح القدير : ٢ / ٢٥]
(٢) قال الرازي : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١١٢] أي بعهد ، وإنما سمي العهد حبلا لأنه يزيل عنه الخوف من الذهاب إلى أي موضع شاء ، وكان كالحبل الذي من تمسك به زال عنه الخوف ، وقيل : إنه القرآن ، روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أما إنها ستكون فتنة» قيل : فما المخرج منها؟ قال : «كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم وهو حبل الله المتين» وروي عن ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «هذا القرآن حبل الله» وروي عن أبي سعيد الخدريّ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله تعالى حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي» وقيل : إنه دين الله ، وقيل : هو طاعة الله ، وقيل : هو إخلاص التوبة ، وقيل : الجماعة ، لأنه تعالى ذكر عقيب ذلك قوله (وَلا تَفَرَّقُوا) وهذه الأقوال كلها متقاربة ، والتحقيق ما ذكرنا أنه لما كان النازل في البئر يعتصم بحبل تحرزا من السقوط فيها ، وكان كتاب الله وعهده ودينه وطاعته وموافقته لجماعة المؤمنين حرزا لصاحبه من السقوط في قعر جهنم جعل ذلك حبلا لله ، وأمروا بالاعتصام به. [مفاتيح الغيب : ٤ / ٣٢٦]