الحكمة (١)
أصلها المنع ، يقال : أحكمت الرجل عن كذا ، أي : منعته عنه ، وسميت الكلمة الواعظة حكمة ، لأنها تمنع عن التورط في الجهل ، ومن ثم قيل : حكمة الراية ، وقال جرير :
أبني حنيفة احكموا سفهائكم |
|
إنّي أخاف عليكم أن أغضبا |
وسمي الحكم حكما ؛ لأنه إذا تم منع عن التخاصم ، وسمي العلم حكمة ؛ لأنه يمنع صاحبه من الموارد القبيحة التي يردها الجاهل.
وتسمية الله بأنه حكيم على وجهين :
أحدهما : يستحقه لذاته ، وهو أنه عالم.
والآخر : يستحقه لفعله ، وهو أن أفعاله محكمة ، وفعيل بمعنى مفعل معروف في اللغة ، يقال : سميع بمعنى مسمع ، قال عمرو بن معدي كرب :
أمن ريحانة الداعي السميع
ويجيء فعيل بمعنى مفعل ، وفي القرآن : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [سورة الدخان آية : ٤] ، وبصير بمعنى مبصر ، وهذا من الأول.
والحكمة في القرآن على خمسة أوجه :
الأول : الحلال والحرام والسنن والأحكام ، قال الله : (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ) [سورة البقرة آية : ٢٣١] ، فالكتاب القرآن ، والحكمة ما فيه من وجوه التحليل والتحريم ومعرفة الشريعة كلها ، والدليل على صحة ذلك أنه أتى بذلك بعد بيان الأحكام ،
__________________
(١) الحكمة : مرجعها إلى العدل والعلم والحلم. ويقال : أحكمته التجارب إذا كان حكيما. وأحكم فلان عنّي كذا ، أي : منعه ، قال :
ألمّا يحكم الشعراء عنّي
واستحكم الأمر : وثق. واحتكم في ماله : إذا جاز فيه حكمه. والأسم : الأحكومة والحكومة ، قال الأعشى : ولمثل الذي جمعت لريب الدّهر يأبى حكومة المقتال أي لا تنفذ حكومة من يحتكم عليك من الأعداء. والمقتال : المفتعل من القول حاجة منه إلى القافية. [العين : حكم]