الحساب
أصل الحساب في العربية الكفاية ، يقال : أحسبني الشيء ، أي : كفاني ، وحسبي الله ، أي : كافي الله ، وفي القرآن : (عَطاءً حِساباً)(١) [سورة النبأ آية : ٣٦] ، أي : كافيا ، : (حَسْبَكَ اللهُ) [سورة الأنفال آية : ٦٢] ، أي : هو العالم لفعلك ، ومجازاتك عليه.
وقيل : الحسيب المقتدر ، وقيل : الحسيب الكافي ، ومعناه كافي إياك الله ، وقيل : الحسيب المحاسب كما يقال للمحافظ الحفيظ ، وللمشارب الشريب ، وفي القرآن : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ) [سورة الأنفال آية : ٦٤] ، أي : كافيك الله ، وسمي الحساب حسابا لأنك تكتفي به من وكيلك ومعاملك ، ولا تطلب شيئا بعده.
وهو في القرآن على عدة أوجه :
الأول : الجزاء ، قال الله : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) [سورة الشعراء آية : ١١٣] ، أي : جزاؤهم ، وقال : (إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) [سورة الغاشية آية :
__________________
(١) قال الرازي : قوله : (حِساباً) فيه وجوه الأول : أن يكون بمعنى كافيا مأخوذ من قولهم : أعطاني ما أحسبني أي ما كفاني ، ومنه قوله : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، أي كفاني من سؤالي ، ومنه قوله :
فلما حللت به ضمني ... فأولى جميلا وأعطى حسابا
أي أعطى ما كفى والوجه الثاني : أن قوله : حسابا مأخوذ من حسبت الشيء إذا أعددته وقدرته فقوله : (عَطاءً حِساباً) أي بقدر ما وجب له فيما وعده من الإضعاف ، لأنه تعالى قدر الجزاء على ثلاثة أوجه ، وجه منها على عشرة أضعاف ، ووجه على سبعمائة ضعف ، ووجه على ما لا نهاية له ، كما قال : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)[الزمر : ١٠] ، الوجه الثالث : وهو قول ابن قتيبة : (عَطاءً حِساباً) أي كثيرا وأحسبت فلانا أي أكثرت له ، قال الشاعر :
ونقفي وليد الحي إن كان جائعا |
|
ونحسبه إن كان ليس بجائع |
الوجه الرابع : أنه سبحانه يوصل الثواب الذي هو الجزاء إليهم ويوصل التفضل الذي يكون زائدا على الجزء إليهم ، ثم قال : (حِساباً) ثم يتميز الجزاء عن العطاء حال الحساب الوجه الخامس : أنه تعالى لما ذكر في وعيد أهل النار : (جَزاءً وِفاقاً) ذكر في وعد أهل الجنة جزاء عطاء حسابا أي راعيت في ثواب أعمالكم الحساب ، لئلا يقع في ثواب أعمالكم بخس ونقصان وتقصير ، والله أعلم بمراده.
المسألة الرابعة : قرأ ابن قطيب : حسابا بالتشديد على أن الحساب بمعنى المحسب كالدراك بمعنى المدرك ، هكذا ذكره صاحب «الكشاف». [مفاتيح الغيب : ١٦ / ٣٠٧]