الرؤية
أصل الرؤية العين (١) ، ثم استعمل في العلم لوقوع العلم مع الرؤية ، كما أن أصل البصر بصر العين ، ثم سمي العلم بصيرة وبصرا ؛ لأنه قد يقع مع بصر العين ورؤية العين يتعدى إلى مفعول واحد ، والرؤية التي بمعنى العلم يتعدى إلى مفعولين لا غير ، مثل العلم ، تقول : رأيت الرجل حكيما بمعنى علمته ، كذلك رأيت الرجل بمعنى أبصرته.
والرؤية في القرآن على ثلاثة أوجه :
أولها : رؤية العين ، قال الله : (تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) [سورة الزمر آية : ٦٠] ، ومثله كثير.
الثاني : العلم ، قال : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) [سورة الأنبياء آية : ٣٠] ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [سورة الفرقان آية : ٤٥] ، ومثله : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [سورة يس آية : ٧٧] ، أي : أولم يعلم ، ولم يرد أنه خصيم في الحال ، ولكن إذا بلغ ، ونحوه قوله : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) [سورة يوسف آية : ٣٦] ، أي : ما يكون خمرا ، ومثله قول الراجز :
الحمد لله العليم المنّان |
|
صار الثّريد في رءوس العيدان |
فسمي الحب في سنبله ثريدا على معنى أنه يكون كذلك.
__________________
(١) الفرق بين الرؤية والعلم : أن الرؤية لا تكون إلا لموجود ، والعلم يتناول الموجود والمعدوم ، وكل رؤية لم يعرض معها آفة فالمرئي بها معلوم ضرورة ، وكل رؤية فهي لمحدود أو قائم في محدود كما أن كل إحساس من طريق اللمس فإنه يقتضي أن يكون لمحدود أو قائم في محدود.
والرؤية في اللغة على ثلاثة أوجه أحدها العلم وهو قوله تعالى" (وَنَراهُ قَرِيباً)" أي نعلمه يوم القيامة وذلك أن كل آت قريب ، والآخر بمعنى الظن وهو قوله تعالى" (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) " أي يظنونه ، ولا يكون ذلك بمعنى العلم لانه لا يجوز أن يكونوا عالمين بأنها بعيدة وهي قريبة في علم الله ، واستعمال الرؤية في هذين الوجهين مجاز ، والثالث رؤية العين وهي حقيقة. [الفروق اللغوية : ١ / ٢٦٣]