السبب (١)
أصله الحبل ، ثم قيل : لكل شيء وصلت به إلى موضع أو حاجة تريدها سبب ، تقول : فلان سببي إليك ، أي : وصلني ، وما بيني وبينك سبب ، أي : وصلة ورحم.
وهو في القرآن على أربعة أوجه :
الأول : الباب ، قال : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) [سورة ص آية : ١٠] ، يعني : أبواب السماوات كما قال تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) [سورة غافر آية : ٣٦] ، أسباب السموات وسبب الشيء ما يتوصل به إليه ، ويجوز أن يكون قوله : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) [سورة ص آية : ١٠] ، يعني : في الحبال وغيرها مما يتوصل به إلى الموضع العالي.
ويجوز أن يكون أراد الهواء الذي هو سبب لصعود الملائكة إلى السماء يمدون فيه أجنحتهم فيصعدون ، وهذا على جهة التعجيز للكفار المخاطبين بهذه الآية ، والإخبار بأنهم يغلبون ولا يتم أمرهم ، والشاهد على صحة هذا قوله : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) [سورة ص آية : ١٠].
الثاني : الطريق ، قال تعالى : (فَأَتْبَعَ سَبَباً) [سورة الكهف آية : ٨٥] ، وجعل الطريق سببا ، لأنك إذا سلكته وصلت إلى الذي تريده ، ومنه قولهم سبب لك على فلان ، أي : جعل لك طريق إلى مطالبة.
الثالث : الحبل ، قال الله : (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ)(٢) [سورة الحج آية : ١٥].
__________________
(١) السّبب الحبل وهو ما يتوصّل به إلى الاستعلاء ثمّ استعير لكلّ شيء يتوصّل به إلى أمر من الأمور فقيل هذا سبب هذا وهذا مسبّب عن هذا. [المصباح المنير : السين مع الباء]
(٢) قال الرازي : اعلم أن في لفظ السبب قولين : أحدهما : أنه الحبل وهؤلاء اختلفوا في السماء فمنهم من قال هو سماء البيت ، ومنهم من قال هو السماء في الحقيقة ، فقالوا المعنى : من كان يظن أن لن ينصره الله ، ثم يغيظه أنه لا يظفر بمطلوبه فليستقص وسعه في إزالة ما يغيظه بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيظ كل مبلغ حتى مد حبلا إلى سماء بيته فاختنق ، فلينظر أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه. وعلى هذا القول اختلفوا في القطع فقال بعضهم : سمى الاختناق قطعا لأن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه ، وسمى فعله كيدا لأنه وضعه موضع الكيد حيث لم يقدر على غيره ، أو على سبيل الاستهزاء إلا أنه لم يكد به محسوده