السّلام
قد مضى القول في أصل هذا الحرف ، وهو في القرآن على ستة أوجه :
الأول : اسم الله تعالى ، قال : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ)(١) [سورة الحشر آية : ٢٣] ، ومعناه أن عباده يسلمون من ظلمه ، وقال : (سُبُلَ السَّلامِ) [سورة المائدة آية : ١٦] ، أي : سبل الله ، وهو دينه ، وقال : (يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) [سورة يونس آية : ٢٥] ، يعني : الجنة ، ونسبها إلى نفسه تعظيما لها ، كما يقال : بيت الله وخليفة الله ، ويجوز أن يكون أراد بالسلام الأمن من الخوف ، لأن موضوع السّلام لذلك.
الثاني : الخير ، قال : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) [سورة الزخرف آية : ٨٩] ، أي : قل خير كذا قيل ، ولو كان كذلك النصب ، فقال : سلاما ؛ لأن ما كان من القول يجيء بعده فهو منصوب ، قلت : خيرا ، وقلت : شرا.
والمراد أن قل أنا سلم ولست بحرب ، وإنما أقول ما أقوله على وجه النصيحة ، فإن قتلتموه وإلا فقد بلغت ، وحسابكم على الله ، وهذا قبل أن يؤمر بالحرب ، وقال : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [سورة الفرقان آية : ٦٣] ، أي : ردوا خيرا ، وقيل : (سَلاماً) ، أي : تسلما منكم ، قال سيبويه : يقال : لا تكونن من فلان إلا سلاما بسلام ، يعني : به المباركة.
وقوله : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [سورة الذاريات آية : ٢٥] ، أي : قال خيرا كذا قيل ، والوجه أن يكون من السليم فنجد الأول ، لأن القول هو السلم ، وكل ما يجيء بعد القول فهو رفع إلا أن يكون من القول ، فيقول : قلت : زيد في الدار ، وقلت :
__________________
(١) قال أبو جعفر : قوله : (السلام) يقول : هو الذي يسلم خلقه من ظلمه ، وهو اسم من أسمائه.
كما حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمّر ، عن قتادة (السلام) : الله السّلام.
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبيد الله ، يعني العتكي ، عن جابر بن زيد قوله : (السلام) قال : هو الله ، وقد ذكرت الرواية فيما مضى ، وبيّنت معناه بشواهده ، فأعنى ذلك عن إعادته. وقوله : (الْمُؤْمِنُ) يعني بالمؤمن : الذي يؤمن خلقه من ظلمه. [جامع البيان : ٢٣ / ٣٠٢]