السيئات
قد تكلمنا في هذا الحرف بما فيه كفاية ، وهو في القرآن على خمسة أوجه :
الأول : المعاصي ، قال : (الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [سورة يونس آية : ٢٧] ، وارتفع جزاء بإضمار لهم ، أي : لهم (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) [سورة يونس آية : ٢٧].
وقال البلخي : الباء في قوله : (بِمِثْلِها) زائدة ، وليس كما قال ، وإنما هو على تقديم وتأخير ، كأنه قال : يجازي بسيئة مثلها ، والسيئات هنا الكبائر من المعاصي.
والمراد أن من يأتي بكبيرة من الكبائر يجازى بما يستحق عليها من غير زيادة ، وهذا دليل على أنه لا يعاقب بغير ذنب ؛ لأن العقاب بغير ذنب أقبح من الزيادة في العقاب.
ولا يسمى إيصال العذاب زيادة ، وقيل : أن قوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [سورة يونس آية : ٢٦] أنه أراد به إيصال الثواب ، وقيل : هي التفضل ، وقال الكلبي : الزيادة للواحد عشرة ونحوه عن الحسن رحمهالله.
الثاني : العذاب ، قال : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) [سورة النحل آية : ٣٤] ، وسمي العذاب ، وهو فعلة سيئة ، كما سماه شرا في قوله : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) [سورة الإنسان آية : ١١] ، وإنما سماه شرا وسيئة من أجل أنه مضرة ، وقال الشاعر :
أنا على الماء لشرّ موضوع
فسمى نفسه وقومه شرا ، أراد أنهم مضرة على من يزاحمهم على الماء.
ولا يجوز أن يسمى الله شريرا ولا مسيئا لفعله العذاب الذي سماه شرا أو سيئة ، لأن الشرير هو الذي يفعل الشر القبيح ، مثل الظلم وما بسبيله.
الثالث : الضر ، قال الله : (بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) [سورة هود آية : ١٠] ، وقال : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [سورة الأعراف آية : ١٦٨] ، أي : بالضر وسوء الحال ، والبلوى من الله التكليف ، وأصلها استنارة العلم بالمبلو.