الصف
أصله في اللغة الامتداد والطول ؛ ومنه قيل : صفة البيت ؛ لأنها ممدودة طويلة ، وصف الطائر : جناحيه إذا مدهما في طيرانه ، وصفة السرج : ما غشي به ما بين القربوسين والسرحين وهما جانبا الرحل ، والصفيف من اللحم : ما شرح طولا وخفف في الشمس.
وهو في القرآن على وجهين :
الأول : بمعنى الجميع ؛ قال الله : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا)(١) [سورة الكهف آية : ٤٨] ، وقوله : (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) [سورة طه آية : ٦٤] أي : جمعا ، وقيل : ذكر الواحد وأراد الجمع ؛ أي : عرضوا صفوفا ، وقيل : صفا ؛ أي : قياما ، وذلك أن القائم يصف قدميه في القيام وهو أجود.
الثاني : الصف الممدود ، قال تعالى : (اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) [سورة الصف آية : ٤] ، وقال : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) [سورة الصافات آية : ١] يعني : صفوفا ملائكة في السماء مصلين ومسبحين.
__________________
(١) قال الرازي : لما ذكر الله تعالى حشر الخلق ذكر كيفية عرضهم ، فقال : وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في تفسير الصف وجوه. أحدها : أنه تعرض الخلق كلهم على الله صفا واحدا ظاهرين بحيث لا يحجب بعضهم بعضا ، قال القفال : ويشبه أن يكون الصف راجعا إلى الظهور والبروز ، ومنه اشتق الصفصف للصحراء. وثانيها : لا يبعد أن يكون الخلق صفوفا يقف بعضهم وراء بعض مثل الصفوف المحيطة بالكعبة التي يكون بعضها خلف بعض ، وعلى هذا التقدير فالمراد من قوله صفا صفوفا كقوله : (يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر : ٦٧] أي أطفالا. وثالثها : صفا أي قياما ، كما قال تعالى : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ)[الحج : ٣٦] قالوا قياما.
المسألة الثانية : قالت المشبهة قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)[الفجر : ٢٢] يدل على أنه تعالى يحضر في ذلك المكان وتعرض عليه أهل القيامة صفا ، وكذلك قوله تعالى : (لَقَدْ جِئْتُمُونا) يدل على أنه تعالى يحضر في ذلك المكان ، وأجيب عنه بأنه تعالى جعل وقوفهم في الموضع الذي يسألهم فيه عن أعمالهم ويحاسبهم عليها عرضا عليه ، لا على أنه تعالى يحضر في مكان وعرضوا عليه ليراهم بعد أن لم يكن يراهم. [مفاتيح الغيب : ١٠ / ٢١٦]