الظلم
قد ذكرنا أن أصله وضع الشيء في غير موضعه ، ويجوز أن يكون أصله النقصان ، ومنه قوله : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [سورة الكهف آية : ٣٣] أي : لم تنقص ، والمظلومة : أرض لم تمطر بين أرضين قد مطرنا ؛ كأنها نقصت حقها.
وهو في القرآن على أربعة أوجه :
الأول : الشرك ؛ قال الله : (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) [سورة الأنعام آية : ٨٢] ، والشاهد قوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [سورة لقمان آية : ١٣] ، ولما نزلت قوله : (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) شق على الناس ؛ فقالوا : يا رسول الله ، وأينا لا يظلم نفسه ، فقال : " أنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح : إن الشرك لظلم عظيم" (١).
الثاني : ظلم العبد نفسه ؛ قال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [سورة البقرة آية : ٢٣١].
فإن قيل : كيف يظلم العبد نفسه ولم يقصد ضررها؟ قلنا : لأنه يقصد إلى ضرر قبيح ينزل بها من أجل شهوته له فيضرها من حيث يظن أنه ينفعها ، ولو نظر فيما يأتيه حق النظر وقف على مكان الضرر منه فيكون ظالما لنفسه بذلك ؛ ونظيرها قوله : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) [سورة فاطر آية : ٣٢].
ويجوز أن يكون المعنى أنه ينقصها الحظ من الثواب والذكر الجميل.
الثالث : ظلم الإنسان غيره ؛ قال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً) [سورة النساء آية : ٣٠] والعدوان والظلم واحد ؛ وإنما كرر اللفظين على المعنى الواحد إرادة التوكيد والتصرف في الكلام على ما بينا من مذهب قوم يذهبون إلى ذلك ، وأصح منه أن
__________________
(١) أخرجه أحمد في مسنده من حديث ابن مسعود (٣٥٧٨) ، وأبو عوانة في المستخرج (٢١٢) ، (٢١٤) ، والعراقي في طرح التثريب ج ٦ / ٢١١.