العدوان
قد ذكر أصل هذا الحرف ، وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :
الأول : بمعنى العذاب ؛ قال الله تعالى : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)(١) [سورة البقرة آية : ١٩٣] أي : من انتهى منهم عن الكفر فلا عذاب عليه ؛ وإنما هو على من ظلم نفسه بإقامته على الكفر ، وسمي العذاب عدوانا لأنه مقابلة بالعدوان ، كما قال الشاعر :
جزينا ذوي العدوان بالأمس مثله |
|
قصاصا سواء جزوك النّعل بالنعل |
ويجوز أن يكون سمي عذاب الآخرة عدوانا لمجاوزته حد العذاب المعهود.
الثاني : الظلم ؛ قال الله : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة آية : ٢] ، وقال : (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة البقرة آية : ٨٥].
والإثم في هذه المواضع يجوز أن يكون مثل العدوان مثل الإثم وإنما ذكر للتوكيد ، كما تقول : الغشم والظلم هذا قول.
وقول آخر : وهو أن الإثم يقتضي أنه يتتبع عليه ، وأصله في العربية التقصير. والعدوان يقتضي مجاوزة الحد ؛ فعطف أحدهما على الآخر مخالفة ما يقتضيه كل واحد منهما ولو كانا في المعنى سواء لم يجز عطف أحدهما على الآخر ، كما لا يجوز عطف زيد على أبي عبد الله إذا كان هو هو.
__________________
(١) قال الرازي : أما قوله تعالى : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) ففيه وجهان الأول : فإن انتهوا فلا عدوان ، أي فلا قتل إلا على الذين لا ينتهون على الكفر فإنهم بإصرارهم على كفرهم ظالمون لأنفسهم على ما قال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
فإن قيل : لم سمي ذلك القتل عدوانا مع أنه في نفسه حق وصواب؟
قلنا : لأن ذلك القتل جزاء العدوان فصح إطلاق اسم العدوان عليه كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)[الشورى : ٤٠] وقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)[البقرة : ١٩٤](وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ)[آل عمران : ٥٤](فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ)[التوبة : ٧٩] والثاني : إن تعرضتم لهم بعد انتهائهم عن الشرك والقتال كنتم أنتم ظالمين فنسلط عليكم من يعتدي عليكم. [مفاتيح الغيب : ٣ / ١٤٩].