الثامن : أمة كل رسول ؛ يعني : من بعث إليه الرسل من أمثال عاد ، وثمود ، وقوم لوط ؛ وهو قوله تعالى : (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) [سورة الحجر آية ٥ ، المؤمنون ٤٣] ، يعني : من هذه الأمم لم تسبق أجلها في العذاب.
وقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [سورة فاطر آية ٢٤]. يعني : الأمة من هذه الأمم ؛ لأن الفرس والسند والهند والزنج أمم ولم يبعث فيها نذير ، وإنما كانوا متعبدين بتصديق من بعث في غيرهم من الأنبياء ، على حسب ما يعبدوا بتصديق محمد صلىاللهعليهوآله ، ولم يبعث فيهم.
التاسع : قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [سورة آل عمران آية ١١٠]. يعني : أمة محمد صلىاللهعليهوآله خاصة.
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [سورة البقرة آية ١٤٣]. أي : عدلا. وهو من واسطة القلادة ، وليس من قولهم : هذا شيء وسط. إذا كان بين العالي والمنحط ، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وعلى آله : " أنا أوسط قريش نسبا".
وله وجه آخر : وهو أن الوسط : العدل ، وسمي بذلك ؛ لأنه بين غلو الغالي وتقصير المقصر (١).
__________________
(١) وأما" الوسط" ، فإنه في كلام العرب الخيار. يقال منه : " فلان وسط الحسب في قومه" ، أي متوسط الحسب ، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه ، و" هو وسط في قومه ، وواسط" ، كما يقال : " شاة يابسة اللبن ويبسة اللبن" ، وكما قال جل ثناؤه : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) [سورة طه : ٧٧] ، وقال زهير بن أبي سلمى في" الوسط" :
هم وسط ترضى الأنام بحكمهم |
|
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم |
قال أبو جعفر : وأنا أرى أن" الوسط" في هذا الموضع ، هو" الوسط" الذي بمعنى : الجزء الذي هو بين الطرفين ، مثل" وسط الدار" محرّك الوسط مثقّله ، غير جائز في" سينه" التخفيف.
وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم" وسط" ، لتوسطهم في الدين ، فلا هم أهل غلوّ فيه ، غلوّ النصارى الذين غلوا بالترهب ، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه ـ ولا هم أهل تقصير فيه ، تقصير اليهود الذين بدّلوا كتاب الله ، وقتلوا أنبياءهم ، وكذبوا على ربهم ، وكفروا به ؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه فوصفهم الله بذلك ، إذ كان أحبّ الأمور إلى الله أوسطها.
وأما التأويل ، فإنه جاء بأن" الوسط" العدل. وذلك معنى الخيار ، لأن الخيار من الناس عدو لهم.