الباب التاسع عشر
فيما جاء من الوجوه والنظائر في أوله غين
الغي (١)
أصله الفساد ، يقال : غوى الرجل ؛ إذا فسد طريقته في الدين ، ورجل غاو وغوى ؛ إذا فسد عيشه وأمره أيضا ، وغوى الفصيل إذا بشم من كثرة شرب اللبن ، وقيل أيضا ذلك له إذا لم يزو من لبن أمه فمات هزلا ، فقيل في الرجل غوى وفي الفصيل غوى والأصل واحد.
وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :
__________________
(١) الفرق بين الغي والضلال : أن أصل الغي الفساد ومنه يقال غوى الفصيل إذا بشم من كثرة شرب اللبن وإذا لم يرو من لبن امه فمات هزلا.
فالكلمة من الاضداد ، وأصل الضلال الهلاك ومنه قولهم ضلت الناقة إذا هلكت بضياعها وفي القرآن" أءذا ضللنا في الارض" أي : هلكنا بتقطع أوصالنا فالذي يوجبه أصل الكلمتين أن يكون الضلال عن الدين أبلغ من الغي فيه ويستعمل الضلال أيضا في الطريق كما يستعمل في الدين فيقال ضل عن الطريق إذا فارقه ولا يستعمل الغي إلا في الدين خاصة فهذا فرق آخر وربما استعمل
الغي في الخيبة يقال غوى الرجل إذا خاب في مطلبه وأنشد قول الشاعر :
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما |
وقيل أيضا : معنى البيت أن من يفعل الخير يحمد ومن يفعل الشر يذم فجعل من المعنى الاول ويقال أيضا ضل عن الثواب ومنه قوله تعالى " (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ)" والضلال بمعنى الضياع يقال هو ضال في قومه أي ضائع ومنه قوله تعالى"( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) " أي ضائعا في قومك لا يعرفون منزلتك ويجوز أن يكون ضالا أي في قوم ضالين لان من أقام في قوم نسب إليهم كما قيل خالد الحذاء لنزوله بين الحذائين وأبو عثمان المازني لاقامته في بني مازن لم يكن منهم ، وقال أبو علي رحمهالله : " ووجد ضالا فهدى" أي وجدك ذاهبا إلى النبوة فهي ضالة عنك كما قال تعالى" (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) " وإنما الشهادة هي الضلالة عنها وهذا من المقلوب المستفيض في كلامهم ويكون الضلال الابطال ومنه" (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) " أي أبطلها ، ومنه"( أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) " ويقال ضللني فلان أي سماني ضالا ، والضلال يتصرف في وجوه لا يتصرف الغي فيها. والفرق بين الغي والفساد : أن كل غي قبيح ويجوز أن يكون فساد ليس بفبيح كفساد التفاحة بتعينها ويذهب بذلك إلى أنها تغيرت عن الحال التي كانت عليها ، وإذا قلنا فلان فاسد إقتضى ذلك أنه فاجر وإذا قلت إنه غاو إقتضى فساد المذهب والاعتقاد. [الفروق اللغوية : ١ / ٣٩٣].