الباب العشرون
فيما جاء من الوجوه والنظائر في أوله فاء
الفساد (١)
قد تقدم من قولنا فيه ما يكفي ، وهو في القرآن على خمسة أوجه :
الأول : الميل مع الكفار ؛ قال الله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [سورة البقرة آية : ١١] وذلك أن المنافقين كانوا يمالون الكفار فيجترئون على المسلمين ويطمعون في النيل منهم والغلبة عليهم ، ويسرعون إلى محاربتهم ؛ وفي ذلك الفساد في الأرض ؛ لأن الحرب مفسدة للمال ومهلكة للنفس.
الثاني : الهلاك ؛ قال الله : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) [سورة المؤمنون آية : ٧١] والدليل على أنه أراد الهلاك قوله : (وَمَنْ فِيهِنَ) قال بعض المفسرين : الحق هو الله تعالى ؛ أي : لو اتبع الله أهوائهم.
وقيل : هو القرآن ؛ أي : لو لا أنزل القرآن بما يريدون ، وليس يصح تفسيرا لأنه على هذه الآية على هذين الوجهين.
والصواب ما قال أبو علي رضي الله عنه : وهو أنه لو صح ما يدين به الكفار من جعلهم الأصنام آلهة مع الله لتفاوتت أفعالهم ، ولتمانعوا ففسدت السماوات والأرض ومن فيهن من الملائكة والإنس والجن ، وهذا مثل قوله : (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [سورة المؤمنون آية : ٩١] ، ومعنى : (لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) [سورة
__________________
(١) (ف س د) : فسد الشّيء فسودا من باب قعد فهو فاسد والجمع فسدى والاسم الفساد واعلم أنّ الفساد للحيوان أسرع منه إلى النّبات وإلى النّبات أسرع منه إلى الجماد لأنّ الرّطوبة في الحيوان أكثر من الرّطوبة في النّبات وقد يعرض للطّبيعة عارض فتعجز الحرارة بسببه عن جريانها في المجاري الطّبيعيّة الدّافعة لعوارض العفونة فتكون العفونة بالحيوان أشدّ تشبّثا منها بالنّبات فيسرع إليه الفساد فهذه هي الحكمة الّتي قال الفقهاء لأجلها ويقدّم ما يتسارع إليه الفساد فيبدأ ببيع الحيوان ويتعدّى بالهمزة والتّضعيف والمفسدة خلاف المصلحة والجمع المفاسد. [المصباح المنير : ٧ / ١٩٣].