الفتنة (١)
أصل الفتنة شدة الاختبار من قولك : فتنت الذهب ؛ إذا أدخلته النار لتعلم جودته من ردائته ، وفي القرآن : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [سورة العنكبوت آية : ٣] أي : اختبرناهم ، ومعنى الاختبار من الله ؛ التكليف على ما بينا.
وقال لموسى عليهالسلام : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [سورة طه آية : ٤٠] أي : واستعمال الإخبار في الله تعالى مجاز ؛ لأن أصل الاختبار طلب العلم والله عالم بنفسه ، والبحر يصطفي الاختبار ، ولا يستعمل في الله قياسا على الاختبار ؛ لأن استعمال الاختبار فيه مجاز.
والمجاز لا يقاس ... قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [سورة يوسف آية : ٨٢] أي : أهلها ، ولا يجوز أن يقال : سل الحمار ؛ أي : صاحبه ، وقال : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) [سورة الأنعام آية : ٢٣] ، ويقال : فتنت الرجل ، ولا يقال : أفتنت.
وهي في القرآن على ثمانية أوجه :
الأول : التكليف ؛ قال : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [سورة العنكبوت آية : ٣] أي : أحسنوا أن يقع منهم بأن يقولوا : آمنا ولا تكلفون أو تمتحنون بما ظهر معه إيمانهم للرسول ، وصدقهم فيه من كذبهم ، فيركن إلى من يركن إليه منهم على بصيرة.
الثاني : العذاب ؛ قال الله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) [سورة الذاريات آية : ١٣ ، ١٤] أي : عذابكم ، ويجوز أن يكون المعنى ذوقوا جزاء فتنتكم فحذف الجزاء ، كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [سورة يوسف آية : ٨٢].
وقيل : يفتنون يحرقون ومنه ، قيل : للحجارة السود التي كأنها قد أحرقت الصبر ومثله قوله : (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) [سورة العنكبوت آية : ١٠] ، أي : عذاب الناس
__________________
(١) (ف ت ن) : فتن المال النّاس من باب ضرب فتونا استمالهم وفتن في دينه وافتتن أيضا بالبناء للمفعول مال عنه والفتنة المحنة والابتلاء والجمع فتن وأصل الفتنة من قولك فتنت الذّهب والفضّة إذا أحرقته بالنّار ليبين الجيّد من الرّديء. [المصباح المنير : الفاء مع التاء].