__________________
حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج قال : بلغني عن مجاهد : (خُذِ الْعَفْوَ) ، من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تحسس.
ـ .... قال : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن وهب بن كيسان ، عن ابن الزبير : (خُذِ الْعَفْوَ) قال : من أخلاق الناس ، والله لآخذنّه منهم ما صحبتم.
ـ .... قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن ابن الزبير قال : إنما أنزل الله : (خُذِ الْعَفْوَ) ، من أخلاق الناس.
ـ حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : (خُذِ الْعَفْوَ) قال : من أخلاق الناس وأعمالهم ، من غير تحسس ـ أو تجسس ، شك أبو عاصم.
وقال آخرون : بل معنى ذلك : خذ العفو من أموال الناس ، وهو الفضل. قالوا : وأمر بذلك قبل نزول الزكاة ، فلما نزلت الزكاة نسخ. ذكر من قال ذلك :
ـ حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله (خُذِ الْعَفْوَ) ، يعني : خذ ما عفا لك من أموالهم ، وما أتوك به من شيء فخذه. فكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت الصدقات إليه.
ـ حدثني محمد بن الحسين. قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : (خُذِ الْعَفْوَ) ، أما" العفو" : فالفضل من المال ، نسختها الزكاة.
ـ حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : (خُذِ الْعَفْوَ) ، يقول : خذ ما عفا من أموالهم. وهذا قبل أن تنزل الصدقة المفروضة.
وقال آخرون : بل ذلك أمر من الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم بالعفو عن المشركين ، وترك الغلظة عليهم قبل أن يفرض قتالهم عليه. ذكر من قال ذلك :
ـ حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : (خُذِ الْعَفْوَ) قال : أمره فأعرض عنهم عشر سنين بمكة. قال : ثم أمره بالغلظة عليهم ، وأن يقعد لهم كل مرصد ، وأن يحصرهم ، ثم قال : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ) ، [سورة التوبة : ٥ ، ١١] الآية ، كلها. وقرأ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ، [سورة التوبة : ٧٣ / سورة التحريم : ٩] قال : وأمر المؤمنين بالغلظة عليهم ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) ، [سورة التوبة : ١٢٣] بعد ما كان أمرهم بالعفو. وقرأ قول الله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) ، [سورة الجاثية : ١٤] ثم لم يقبل منهم بعد ذلك إلا الإسلام أو القتل ، فنسخت هذه الآية العفو.
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معناه : خذ العفو من أخلاق الناس ، واترك الغلظة عليهم وقال : أمر بذلك نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم في المشركين. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك تعليمه نبيّه صلىاللهعليهوسلم محاجّته المشركين في الكلام ، وذلك قوله : (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) ، وعقّبه بقوله : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) ، فما بين ذلك بأن يكون من تأديبه نبيّه صلىاللهعليهوسلم في عشرتهم به ، أشبه وأولى من الاعتراض بأمره بأخذ الصدقة من المسلمين. [جامع البيان : ١٣ / ٣٢٧ ـ ٣٢٩].