القدر (١)
القدر هو وجود الأفعال على مقدار الحاجة إليها والكفاية لما فعلت من أجله ؛ كان القدر هو الوجه الذي أردت إيقاع المراد عليه ، والمقدر للفعل هو الموجب له على ذلك الوجه.
وأصل القدر في العربية التوسط بين العلو والتقصير ، ومن ثم قيل : للقدرة قدرة ؛ لأن الفعل يقع على قدره ، وقيل : هذا على قدر ذلك ، وقدره أي : غير فاصل عنه ولا مقصر دونه ، ومنه قيل : القدر لأنك تطبخ فيها الطبيخ بقدر ما تحتاج إليه ، أو بقدر ما تسعه.
وسمي قدر الله قدرا لأنه يقع على قدر المصالح ، لا فضل ولا نقصان ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [سورة القمر آية : ٤٩] ، أي : هو على قدر الصلاح.
وقال بعضهم : أصل القدر هو وجود الفعل على مقدار ما أراده الفاعل وحقيقته في أفعال الله وجودها على قدر المصالح ، وأما قوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [سورة الفرقان آية : ٢] ، فإن اللفظ عام ، والمعنى خاص ؛ لأن المعاصي لم تدخل فيه ، والشاهد قوله : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [سورة النمل آية : ٨٨] ، والباطل ليس بمتقن.
والدليل على أن كل تجيء لغير معنى الإحاطة ، قوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [سورة النمل آية : ٢٣] ، ونحن نعلم أنها لم تؤت لحية ، وقوله : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) [سورة الكهف آية : ٨٤] ، وهو القدر ، والقدر ، ثم استعمل في التقصير فقيل : قدر فلان على نفسه مثل قتر ونحوه : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [سورة الأنبياء آية : ٨٧] ، أي : ظن أن لن نضيق عليه ؛ كقوله : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) ، ومنه : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) [سورة الطلاق آية : ٧] ، أي : ضيق عليه.
ومن ذلك قولهم : رجل أقدر ، إذا كان قصير العنق ؛ وجاء أيضا في الزيادة ، فقيل : فرس أقدر للذي تتقدم موقع رجله موقع يده ، والخبر السابق بما يكون قدرة أيضا إذا كان
__________________
(١) [قدر] : القدر : القضاء الموفق ، يقال : قدره الله تقديرا. وإذا وافق الشيء شيئا قيل : جاء على قدره. والقدريّة : قوم يكذبون بالقدر. [العين : قدر].