قليل (١)
القليل ما يقصر عن الكفاية ، وهو قل بمعنى قليل ، والقل أيضا القلة مثل النحل والنحلة ، والعذر والعذرة ، وقيل : قل فعل ولهذا جاء فاعله على فعيل ، مثل كرم ، وهو كريم ، وكثر وهو كثير ، وقيل هو فعل إلا أنه دخله معنى المبالغة فجاء فاعله على فعيل ، كما قيل : حرص وهو حريص وهذا هو الصحيح ، ويقال : هؤلاء قوم قليل وقليلون وكثير ، ولم يجيء كثيرون.
والقليل في القرآن على ثلاثة أوجه فيما ذكروا وبعضها عندنا داخل في بعض :
الأول : بمعنى اليسير ، قال : (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [سورة آل عمران آية : ١٨٧] ، أراد أن أهل الكتاب تركوا العمل بكتابهم وكتموا ما يدل منه على نبوة محمد صلى الله عليه وعلى آله ، لعرض نالوه من عرض الدنيا وذلك قليل.
الثاني : بمعنى الرياء فيما جاء عن بعضهم ، وهو قوله : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً)(٢) [سورة النساء آية : ١٤٢] ، وهو الأول عندنا سواء ، والمراد أن المنافقين يذكرون الله إذا لقوا المؤمنين فذكرهم له قليل بالإضافة إلى ذكر المؤمنين له ؛ لأن المؤمنين يذكرونه على كل حال.
__________________
(١) الفرق بين القليل واليسير : أن القلة تقتضي نقصان العدد يقال قوم قليل وقليلون وفي القرآن" لشرذمة قليلون" يريد أن عددهم ينقص عن عدة غيرهم وهي نقيض الكثرة وليس الكثرة إلا زيادة العدد وهي في غيره إستعارة وتشبيه ، واليسير من الاشياء ما يتيسر تحصيله أو طلبه ولا يقتضي ما يقتضيه القليل من نقصان العدد ألا ترى أنه يقال عدد قليل ولا يقال عدد يسير ولكن يقال مال يسير لان جمع مثله يتيسر فإن استعمل اليسير في موضع القليل فقد يجري اسم الشئ على غيره إذا قرب منه. [الفروق اللغوية : ١ / ٤٣٤].
(٢) قال أبو جعفر : أما قوله : " ولا يذكرون الله إلا قليلا" ، فلعل قائلا أن يقول : وهل من ذكر الله شيء قليل؟
قيل له : إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت : ولا يذكرون الله إلا ذكر رياء ، ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلب الأموال ، لا ذكر موقن مصدّق بتوحيد الله ، مخلص له الربوبية. فلذلك سماه الله" قليلا" ، لأنه غير مقصود به الله ، ولا مبتغي به التقرّب إلى الله ، ولا مراد به ثواب الله وما عنده. فهو ، وإن كثر ، من وجه نصب عامله وذاكره ، في معنى السراب الذي له ظاهر بغير حقيقة ماء. [جامع البيان : ٩ / ٣٣١].