الاعتداء
أصله تجاوز الحد ، ومنه قيل : عداء جاوزه إذا جاوز قدره ، وسمي العدو عدوا لتجاوز حد السعي والمشي ، ويجوز أن يكون أصله من الميل ، ومنه قيل : عدوة الوادي وهي جانبه ، وفي القرآن : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى)(١) [سورة الأنفال آية ٤٢].
__________________
(١) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أيقنوا ، أيها المؤمنون ، واعلموا أن قسم الغنيمة على ما بيّنه لكم ربكم ، إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل على عبده يوم بدر ، إذ فرق بين الحق والباطل من نصر رسوله" إذ أنتم" ، حينئذ ، " بالعدوة الدنيا" ، يقول : بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة" وهم بالعدوة القصوى" ، يقول : وعدوكم من المشركين نزول بشفير الوادي الأقصى إلى مكة" والركب أسفل منكم" ، يقول : والعير فيه أبو سفيان وأصحابه في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " إذ أنتم بالعدوة الدنيا" ، قال : شفير الوادي الأدنى ، وهم بشفير الوادي الأقصى" والركب أسفل منكم" ، قال : أبو سفيان وأصحابه ، أسفل منهم. حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" ، وهما شفير الوادي. كان نبيّ الله بأعلى الوادي ، والمشركون أسفله" والركب أسفل منكم" ، يعني : أبا سفيان ، [انحدر بالعير على حوزته] ، حتى قدم بها مكة.
ـ حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" ، من الوادي إلى مكة" والركب أسفل منكم" ، أي : عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها ، عن غير ميعاد منكم ولا منهم.
ـ حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : " والركب أسفل منكم" ، قال : أبو سفيان وأصحابه ، مقبلون من الشأم تجارا ، لم يشعروا بأصحاب بدر ، ولم يشعر محمد صلىاللهعليهوسلم بكفار قريش ، ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه ، حتى التقى على ماء بدر من يسقي لهم كلهم. فاقتتلوا ، فغلبهم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم فأسروهم.
ـ حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه.
ـ حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله.
واختلفت القرأة في قراءة قوله : "(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ)". فقرأ ذلك عامة قرأة المدنيين والكوفيين : بالعدوة ، بضم العين. وقرأه بعض المكيين والبصريين : بالعدوة ، بكسر العين.
قال أبو جعفر : وهما لغتان مشهورتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، ينشد بيت الراعي :
وعينان حمر مآقيهما |
|
كما نظر العدوة الجؤذر |
بكسر العين من" العدوة" ، وكذلك ينشد بيت أوس بن حجر :
وفارس لو تحلّ الخيل عدوته ولّوا |
|
سراعا ، وما همّوا بإقبال |
[جامع البيان : ١٣ / ٥٦٤ ـ ٥٦٥].