الكلمة (١)
اشتقاق الكلمة من الكلم ، وهو الجرح لأن تأثير الحروف في مخارجها وفي السمع كتأثير الجرح في المجروح ، وإن كانت أثارها أخفى ، وتقارب المعاني وتشابهها بحيث تتقارب الألفاظ ، فإذا قلت : كلمته تكليما ، فإنما أدخلت التشديد في الفعل لتدل على تكرير الفعل ، ألا ترى أن الكلمة الواحدة أقل الكلام.
وهى لا تخلوا من حروف وحركات ، وكان كل واحد من ذلك كلمه من الكلوم ، لأنها أثر بعد أثر تقع في مخارج الحروف وفي السمع ، فلذلك قيل : كلمته تكليما ، وقد يجوز كلمته كلاما ؛ لأنه يعلم أنه لا يكون مصدر كلمته إلا التكليم ، ولا مصدر تكلمت إلا التكلم ، وإن كلاما إنما ناب عن ذلك وقام مقامه ، وإن كان على غير لفظ الفعل ، لأنهم لم يستعملوا الفعل منه بغير تشديد ما لم تحل الكلمة ، وإن قل عدد حروفها من التكرير ؛ ولأنهم كرهوا التباس هذا الفعل ما هو من الجرح أيضا.
والكلمة في القرآن على ثلاثة أوجه :
الأول : الخبر ، قال الله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) [سورة يونس آية : ١٩] ، أي : لو لا الخبر السابق بأن الاستئصال لا ينزل بهذه الأمة لأنزلته بها.
الثاني : قوله تعالى : (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) [سورة الكهف آية : ١٠٩] ، قيل : يعني : مقدوراته ، وقيل : نعمه وعطاياه ، وعندنا أنه أراد بكلماته وعده لأهل الجنة ووعده لأهل النار ، وهو مثل قوله : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) [سورة الكهف آية : ٢٧ ، الأنعام : ١١٥] ، والمراد أنه لو يفعل ما وعد به أهل الجنة وأوعد به أهل النار حالا بعد حال ، فيما يستقبل وكتب ذلك بما في البحر ، وقد جعله مدادا وزاد عليه في مثله لنفد قبل نفاد
__________________
(١) [كلم] : الكلم : الجرح ، والجميع : الكلوم. كلمته أكلمه كلما ، وأنا كالم ، وهو مكلوم. أي : جرحته.
وكليمك : الذي يكلّمك وتكلّمه.
والكلمة : لغة حجازية ، والكلمة : تميمية ، والجميع : الكلم والكلم ، هكذا حكي عن رؤبة : لا يسمع الرّكب به رجع الكلم. [العين : الكاف والنون والفاء].