من
قال النحويون : من تدخل لابتداء الغاية ، وهو قولك : سرت من البصرة ، فأعلمت أن ابتداء سيرك كان منها ، وقولك : من فلان إلى فلان ، قال : وأخذت منه درهما ، وسمعت منه حديثا ، أي : هو أول هذا الذكر.
وتدخل للتبعيض في قولك : أكلت من طعامك ، وأخذت من مالك ، وقيل : معنى ذلك أنه جعل ماله ابتداء غاية ما أخذ منه ، فدل على التبعيض من حيث صار ما بقى إمهاله والأصل واحد.
قال المبرد : وتكون لإضافة الأنواع إلى الأسماء ؛ كقوله : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [سورة المائدة آية : ٩٠] ، وقوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [سورة الحج آية : ٣٠] ، والرجس يجمع الأوثان وغيرها ؛ فإذا قلت : من الأوثان وغيرها فإنما معناه الذي ابتداؤه من هذا الصنف ، قال : وكذلك قول سيبويه : هذا باب علم ما الكلم من العربية ؛ لأن الكلام يكون عجميا وعربيا فأضاف النوع إلى اسمه الذي يبين فيه ، وهو العربية ، وقيل : لما كان في الوثن رجس وغير رجس ، قال : من الأوثان فحرم الرجس منها ، وهو عبادتها ، ولم يحرم أجسامها ، ودخلت من على هذا التقدير ، وقالوا : يكون دخولها كسقوطها في قولك : ما جاءني من أحد.
وقول الله : (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [سورة البقرة آية : ١٠٥] ، وعند المحققين من النحاة إنها هاهنا ليست زيادة ؛ لأن الزيادة في الكلام من غير فائدة عيب ، ولمن هاهنا معنى صحيح ، وهو أنك إذا قلت : ما جاءني أحد فجاز أن تكون أحد هاهنا بمعنى واحد ، وجاز أن تكون أحد الذي هو بمعنى الجنس ؛ فإذا دخل من زال اللبس فصار المعنى من الناس كلهم ؛ إذا كانوا واحدا واحدا ، وإذا لم يدخل من جاز ، لأن لا يجيئه واحد ويجيئه اثنان فما فوق.
وقال ابن درستويه : إنما أفادت هاهنا أنه لم يجيئه من هذا الجنس شيء ، وإذا لم تدخل من ، كان المعنى أنه لم يجيئه هذا الجنس كله ، ولما كان بمعنى التنكير في الوجهين ، والعموم موجود ظنوا أن من لا معنى لها.