وجاء في القرآن على أربعة أوجه فيما قيل :
الأول : مجيئه بمعنى الباء ، قال : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) [سورة غافر آية : ١٥] ، وقال : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [سورة الرعد آية : ١١].
الثاني : بمعنى في ، قال الله : (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [سورة فاطر آية : ٤٠] ، أي : في الأرض.
الثالث : بمعنى على ، وقال الله : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [سورة الأنبياء آية : ٧٧] ، أي : عليهم ، وعندنا أن ذلك يقال على المسامحة والمقاربة ، فإذا أردت هذه الوجوه إلى أصل من في العربية صحت ؛ فقوله : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [سورة الرعد آية : ١١] ، أي : ابتداء حفظه من ذلك ، وهكذا قوله : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) [سورة غافر آية : ١٥] ، أي : أمره ابتداء الغاية ، وقوله : (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [سورة الأحقاف آية : ٤] ، أي : ماذا خلقوا بعض الأرض.
الرابع : الوجه الذي ذكر أنه زيادة ، وهو على ما ذكرناه ، قال الله : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) [سورة النور آية : ٣٠] ، وقوله : (مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [سورة البقرة آية : ١٠٥] ، وقوله : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) [سورة يوسف آية : ١٠١] ، قالوا : دخل من هاهنا لتختص هذا الملك من سائر الأشياء ، وكذلك قوله : (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [سورة إبراهيم آية : ١٠] ، وإذا كان لدخوله معنى خرج من أن تكون زيادة ؛ فقوله : (لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [سورة إبراهيم آية : ١٠] ، أي : بعض ذنوبكم ، وهو الذي يتولون منه ، وقوله : (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) [سورة النور آية : ٣٠] ، فإن من للتبعيض ، أي : بعض أبصارهم يريد ما حرم عليهم النظر إليه ، وقيل : هو للتبيين لأنه لما قال : (يَغُضُّوا) [سورة النور آية : ٣٠] ، احتمل أشياء كثيرة ، فبين المراد بمن فقال : (مِنْ أَبْصارِهِمْ) [سورة النور آية : ٣٠] ، وأما قوله : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) [سورة النور آية : ٤٣] ، بمعنى قوله : (مِنَ السَّماءِ) [سورة النور آية : ٤٣] ،