الباب الخامس والعشرون
فيما جاء من الوجوه والنظائر في أوله نون
الناس (١)
أصل الناس : أناس أسكنت الهمزة منه فأدغمت اللام ، كما قيل : لكنا ، وقيل : الناس لغة مفردة ، والأناس لغة أخرى ، ولو كان أصله أناسا لقيل في التصغير أنيس ، وإنما يقال : نويس وتجمع أناس على أناسي ، وقيل : أناسي جمع أنسي واشتقاقه من الأنس ، خلاف الوحشية ، لأن بعضهم يأنس ببعض ، والناس جماعة لا واحد لها من لفظها ، وواحدها إنسان على المعنى.
وهو في القرآن على ستة أوجه :
الأول : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) [سورة النساء آية : ٥٤] ، جاء في التفسير أنه أراد النبي عليهالسلام ، قيل : وهو مثل قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [سورة آل عمران آية : ١٧٣] ، وكان الذي أخبرهم بجمع أهل مكة نعيم بن مسعود الأشجعي ، ويجوز عندنا أن يكون معنى قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) [سورة النساء آية : ٥٤] ، النبي صلى الله عليه والمؤمنين ، فقوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [سورة آل عمران آية : ١٧٣] ، لفظ عام ، والمعنى مخصوص ؛ لأن الناس كلهم لم يخبروهم ولم يجمعوا لهم أنصار ، وبيان هذا مستقصي في كتابنا في التفسير ،
__________________
(١) الفرق بين الناس والخلق : أن الناس هم الانس خاصة وهم جماعة لا واحد لها من لفظها ، وأصله عندهم اناس فلما سكنت الهمزة أدغمت اللام ، كما قيل لكنا وأصله لكن أنا ، وقيل الناس لغة مفردة فإشتقاقه من النوس وهو الحركة ناس ينوس نوسا إذا تحرك ، والاناس لغة اخرى ولو كان أصل الناس اناسا لقيل في التصغير انيس وإنما يقال نويس فإشتقاق اناس من الانس خلاف الوحشة وذلك أن بعضهم يأنس ببعض ، والخلق مصدر سمي به المخلوقات والشاهد قوله عزوجل" خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها" ثم عدد الاشياء من الجماد والنبات والحيوان ثم قال" هذا خَلْقُ اللهِ" وقد يختص به الناس فيقال ليس في الخلق مثله كما تقول ليس في الناس مثله ، وقد يجري على الجماعات الكثيرة فيقال جاءني خلق من الناس أي جماعة كثيرة. [الفروق اللغوي : ١ / ٥٢٧].