النظر (١)
أصله في العربية المقابلة ، يقال : داري ينظر إلى دارك ، أي : يقابلها ، والدار أن يتناظران أي : يتقابلان ، والنظر بالعين الإقبال بها حيال المرئي ، ونظر القلب الإقبال إلى أحوال ما تطلب معرفته.
وقال علي بن عيسى : النظر طلب ظهور الشيء ، والناظر الطالب لظهور الشيء ، والله ناظر لعباده بظهور رحمته إياهم ، ويكون الناظر الطالب لظهور الشيء بإدراكه من جهة حاسة البصر أو غيرها من حواسه ، ويكون الناظر إلى لين هذا الثواب من لين غيره.
والنظر بالقلب نظر العلم من جهة الفكر والتأمل لأحوال الأشياء ، ألا ترى أن الناظر على هذا الوجه لابد من أن يكون مفكرا ؛ إذا المفكر على هذا الوجه سمي ناظرا ، وهو معنى غير الناظر والمنظور فيه ، ألا ترى أن الإنسان يفصل بين كونه ناظرا وكونه غير ناظر ، ولا يوصف القديم بالنظر ؛ لأن النظر لا يكون إلا مع فقد العلم ، ومعلوم أنه لا يصح النظر في الشيء ليعلم إلا وهو مجهول ، والنظر يشاهد ، ولهذا نفرق بين نظر الغضبان ونظر الراضي.
والنظر في القرآن على ثلاثة أوجه :
الأول : النظر بالعين ، وهو قوله : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [سورة الأعراف آية : ١٤٣] ، وقوله : (انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) [سورة الأعراف آية : ١٤٣] ، فكأن موسى يعلم أن الله لا يرى بالإبصار ، ولكن سأل ذلك ليجيء الجواب من الله ؛ لتكون أوكد للحجة على قوم من أمته سألوه ذلك.
__________________
(١) [نظر] : نظر إليه ينظر نظرا ، ويجوز التخفيف في المصدر تحمله على لفظ العامّة في المصادر ، وتقول : نظرت إلى كذا وكذا من نظر العين ونظر القلب.
وقوله تعالى : "( وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي لا يرحمهم.
وقد تقول العرب : نظرت لك ، أي عطفت عليك بما عندي ، وقال الله ـ عزوجل : "(لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ)" ، ولم يقل : لا ينظر لهم فيكون بمعنى التّعطّف.
ورجل نظور : لا يغفل عن النظر إلى ما أهمّه. [العين : نظر].