ثم استعمل في الإخلاص ، فيقال : أسلم الرجل إذا أخلص لله ، وسلم الغلام في صناعة كذا إذا أخلصه لها ، وسلم فلان على فلان كأنه عرفه خلوص سريرته ، وقد سلم العبد أمره لله ؛ أي : فوضه إليه وأخلص التوكل فيه عليه.
والسلامة : الخلاص من الشر ، وقوله : (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) [سورة آل عمران آية ٢٠]. أي : أخلصت ديني.
ومثله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) [سورة لقمان آية ٢٢]. أي : يخلص دينه له.
وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :
أولها : الإخلاص ، قال الله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) [سورة البقرة آية ١٣١]. أي : أخلص ، : (قالَ أَسْلَمْتُ) [سورة البقرة آية ١٣١]. أي : أخلصت.
الثاني : الإقرار ، قال الله تعالى : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [سورة آل عمران آية ٨٣]. أي : أقر بالعبادة طوعا باللسان أو كرها ؛ لما فيه من الدلالة على صنع الله فيه ، على سبيل ما قال الحكماء : كل صامت ناطق. وهذا يقوم مقام الإقرار وإن لم يكن به.
وقال تعالى : (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ)(١) [سورة التوبة آية ٧٤]. أي : إقرارهم بالإسلام ؛ يعني : المنافقين ، فسمى الإقرار إسلاما ؛ لأنه من شرائط الإسلام.
__________________
(١) قال أبو حيان : نزلت في أهل الكتاب آمنوا بالتوراة والإنجيل وفيهما ذكر محمد صلىاللهعليهوسلم ، فغيروه وكفروا بعد إيمانهم بنبوّته ، قاله الحسن وروى عطية قريبا منه عن ابن عباس وقال مقاتل : في عشرة رهط ارتدوا فيهم الحارث بن سويد الأنصاري ، فندم ورجع ، ورواه أبو صالح عن ابن عباس ، وذكر مجاهد ، والسدّي : أن الحارث كان يظهر الإسلام ، فلما كان يوم أحد قتل المجدر بن زياد بدم كان له عليه ، وقتل زيد بن قيس ، وارتد ولحق بالمشركين ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمر أن يقتله إن ظفر به ، ففاته ، ثم بعث إلى أخيه من مكة يطلب التوبة ، فنزلت إلى قوله : إِلَّا الَّذِينَ تابُوا* فكتب بها قومه ، إليه فرجع تائبا.
ورواه عكرمة عن ابن عباس ، ولم يسمه ، ولم يذكر سوى أنه رجل من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين ، وخرجه النسائي عن ابن عباس مطولا وقيل : لحق بالروم وقيل : ارتد الحارث في أحد عشر رجلا ، وسمى