الأمر
قد مضى القول في أصله.
وهو في القرآن على سبعة عشر وجها :
الأول : الدين ، قال الله تعالى : (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) [سورة التوبة آية ٤٨]. يعني : دينه ، وقوله تعالى : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) [سورة المؤمنون آية ٥٣]. أي : الدين الذي جاء به نبيهم ، فنسبته إليهم ؛ لأنهم المتعبدون به والمندوبون إليه ، والمعنى : أن الله أعلمهم أن أمر الأمة واحد ، وأن دينه واحد وهو الإسلام وهم قد تقطعوا واختلفوا.
الثاني : القول ، قال الله تعالى : (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) [سورة الكهف آية ٢١]. قال : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) [سورة طه آية ٦٢]. أي : يتنازعون القول فيما يريدون العمل عليه ؛ لأن مثل ذلك الأمر لا يتنازع وإنما يتنازع القول فيه.
الثالث : وقت الوعيد ، قال : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) [سورة هود آية ٤٠]. أي : حضر وقت وعيدنا ، ويجوز أن يكون على ظاهره أي : حتى جاء أمرنا بالعذاب ، أي : حتى أمرنا بتعذيبهم.
الرابع : العذاب ، قال : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) [سورة إبراهيم آية ٢٢]. أي : وجب العذاب ، ويجوز أن يكون قضاء الأمر هاهنا فضل الحساب ووقوف كل فريق على ما له عند الله من الخير والشر. ومثله : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ)(١) [سورة مريم آية ٣٩]. أي : وجب العذاب.
__________________
(١) قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ) أي : خوّف كفّار مكة (يَوْمَ الْحَسْرَةِ) يعني : يوم القيامة يتحسّر المسيء إذ لم يحسن ، والمقصّر إذ لم يزدد من الخير.
وموجبات الحسرة يوم القيامة كثيرة ، فمن ذلك ما روى أبو سعيد الخدري ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، قيل : يا أهل الجنة ، فيشرئبّون وينظرون ، وقيل : يا أهل النار فيشرئبّون وينظرون ، فيجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيقال لهم : هل تعرفون هذا؟ فيقولون : هذا الموت ، فيذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ؛ ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)