الاشتراء
أصل الشراء من الإمالة ومنه الشرى وهو الناحية ، فقولهم : اشتريت الشيء. كأنك جعلته في شراءك ، أي : ناحيتك ، كما تقول : احتقبته إذا جعلته في حقيبتك ، وهو من الأضداد ، اشتريته إذا أخذته بثمن واشتريته إذا بعته ، وكذلك شريته إنما سمي المشتري والبائع باسم واحد ؛ لأن كل واحد منهما يأخذ شيئا ويعطي شيئا فلتماثلهما من هذا الوجه اشتركا في الاسم الواحد ، ويجوز أن يكون من قولك : شريت به. إذا لمحت به ، ومنه يقال :
شرى البرق إذا كثر لمعانه كأنه لهج بذلك.
وهو في القرآن على ثلاثة أوجه :
الأول : الاختيار ، قال : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى)(١) [سورة البقرة آية : ١٦ ، ١٧٥]. أي : اختاروا الكفر على الإيمان ، ومنه : (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [سورة البقرة آية : ١٧٤]. أي : اختاروا على الإيمان ما نالوه من حطام الدنيا ، وسماه قليلا ؛ لأن كل شيء من الدنيا قليل لانقطاعه.
وقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) [سورة لقمان آية : ٦]. يعني : يختار باطل الحديث على القرآن.
وعلى هذا التقدير يصح هذا التأويل ؛ لأن الاختيار : إيثار الشيء على غيره وهو ضرب من الإرادة واقع على هذا الوجه ، وإذا لم يقع كذلك لم يسم اختيارا.
__________________
(١) قال الخازن : (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) أي استبدلوا الكفر بالإيمان وإنّما أخرجه بلفظ الشراء والتجارة توسعا على سبيل الاستعارة لأن الشراء فيه إعطاء بدل وأخذ آخر. فإن قلت كيف قال اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى؟ قلت جعلوا لتمكنهم منه كأنه في أيديهم فإذا تركوه إلي الضلالة فقد عطلوه واستبدلوه بها. والضلالة الجوز عن القصد وفقد الاهتداء (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) أي ما ربحوا في تجارتهم والربح الفضل عن رأس المال وأضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها وَما كانُوا مُهْتَدِينَ أي مصيبين في تجارتهم ، لأن رأس المال هو الإيمان فلما أضاعوه واعتقدوا الضلالة فقد ضلوا عن الهدى. وقيل وما كانوا مهتدين في ضلالتهم. [لباب التأويل : ١ / ١٦].