ويميز ـ بفتح الياء وكسر الميم وسكون الياء ـ فعل مضارع وماضيه ماز ، وقرئ بالتشديد فيكون ماضيه ميّز ، وهما لغتان بمعنى ، كما عن جمع من اللغويين ، وليس التضعيف لتعدي الفعل لأنهما يتعديان إلى مفعول واحد يقال : مرّت الشيء بعضه من بعض أميزه ، وميزته تمييزا وقال بعضهم : مزت الشيء اميزه ميزا إذا فرقت بين شيئين ، فان كانت أشياء قلت ميزتها تمييزا نظير (فرق) فانه إذا جعلت الواحد شيئين يقال : فرقت بينهما (مخففا). ومنه فرق الشعر وإذا جعلت بين الأشياء يقال فرقت (مشددا) تقريبا. وامتاز القوم اي تميز بعضهم عن بعض وفي الحديث : «من ماز أذى عن الطريق فهو له صدقة».
والطيب والخباثة قد ينسبان إلى الذوات ، وقد ينسبان إلى الأفعال والأعمال والصفات ، ولمشيته تبارك وتعالى وارادته دخل في تمييز الخبيث من الطيب بنحو الاقتضاء كما ان لإرادة العبد أيضا دخلا كذلك ، فإذا اجتمعت جميع مقتضيات الخباثة فإلى النار لا محالة ، كما إذا اجتمعت جميع مقتضيات الطيب فالى الجنة لا محالة ، والمقتضيات في كل واحد منهما كثيرة لا يحصيها الا الله تعالى ، ولعل تعقيب هذه الآية الشريفة بقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) اشارة إلى ذلك.
وطرق تمييز الخبيث من الطيب كثيرة ولا يتعين في طريق خاص فاما الإخبار بالطيبين والخبثاء والاطلاع عليهم بالوحي من دون مقاساة الأهوال والبلايا ولكن ذلك خلاف حكمته تعالى فانه لا يطلع على غيبه احد وما اقتضته السنة الاجتماعية والنظام الأحسن. أو الابتلاء الذي يكشف عن خفايا النفوس وغير ذلك.