وكيف كان فلا بد من تدبير ربوبي ومعية قيومية ولا يمكن ان يقوم به غير الله تعالى وهو من علم الغيب الذي استأثر الله تعالى به نفسه فلا يطلع عليه احد إلا من اجتبى من رسله فيطلعه على ذلك بالوحي وفي ذلك يقول تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ).
والتمييز هذا يقترن مع الشدة والجهاد وبذل الأنفس والأموال وفيها مقاساة البلاء ومشاهدة مختلف الأهوال والمتاعب والمشاكل الكثيرة ويحتاج الى الصبر والمثابرة ، فان جميع ذلك مقدمة للسعادة العظمى والفوز الأكبر في الدنيا والعقبى ، بل مقدمة لوصول العاشق المتيم الى المعشوق الحقيقي وليست متاعب هذه المرتبة محدودة بحد خاص ودرجة مخصوصة وقد وصف علي (عليهالسلام) المؤمنين الممتحنين بالامتحان الربوبي في خطبته المباركة الواردة في وصف المتقين بأحسن وصف.
ولكن لا بد ان يعلم ان التمييز الذي يوجب الحمد واستحقاق عظيم الأجر والثواب انما هو ما كان بالاختيار الحاصل من الايمان بالله تعالى ورسله ، والعمل الصالح والتقوى ، فالطيب والخباثة انما يدوران مدار الأمر الاختياري وهو الايمان والكفر ولذا كانا أمرين اختياريين ، ولعل ذيل الآية الشريفة يرشد إلى ذلك قال تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) آل عمران ـ ١٧٩.
قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ).
اي ان الله تعالى لا يليق بحكمته وجلالة شأنه ان يطلع أحدا من عباده على الغيب إلا من يجتبي من رسله من يشاء فيطلعه على الغيب بالوحي.