والمراد بالغيب الشريعة وشؤونها وموارد الامتحان وخصوصياته ودرجاته فانه كما عرفت له شأن كبير ليس كل احد أهلا له ، بل قيام كل فرد به اختلال النظام ولأن عالم المادة هو عالم الحجب الظلمانية وعالم الغيب مباين له فكيف يمكن ان يطلع المحجوب بالحجب الظلمانية على الغيب المكنون. نعم لو أمكن لعبد ازالة تلك الحجب باختياره لعلم ما لا يعلمه غيره وهو يختص بمقام الأنبياء والمرسلين حيث أشرقت على نفوسهم المقدسة الشوارق الازلية وكانوا أهلا للكمال فعرجوا بهممهم العالية عن الأمور الدنيئة فتتابعت عليهم الفيوضات الإلهية فصاروا قسيمي الجنة والنار.
قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ).
اي : ان الطريق الذي اختارته الحكمة الإلهية والذي يكشف به خبايا النفوس ويتميز الطيب من الخبيث هو ان يرسل الله من يجتبيه من رسله ويدعوا الناس الى الايمان بالله ورسله والطاعة له والجهاد في سبيله تعالى والصبر على الايمان فانه الطريق الذي يميز به الخبيث من الطيب. وقد بين سبحانه وتعالى في موضع آخر من القرآن الكريم ان الحياة الدنيا هي محل الابتلاء قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) الملك ـ ٢.
والاستدراك في الآية المباركة (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي) لبيان كيفية وقوع التمييز على سبيل الإجمال واشارة الى امر مهم لا يمكن ان يتصدى له احد الا هو عزوجل وهو الاصطفاء والاجتباء من عباده للانذار والتبشير وتصديه للتمييز بين الخبيث والطيب بأمره تبارك وتعالى ، ولعل في ذكر اسم الجلالة إيماء الى ان تلك الأمور يتصف بها هو عزوجل لكونه الها.