كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ، مع ان الثلاثة الأخيرة من وضع الظاهر موضع المضمر ـ على ان الله تعالى هو مصدر الجلال والجمال ، وان تلك الأمور التي في الآية الشريفة من مختصات الإله الواحد المتصف بالالوهية وان الرسل وسائط الفيض.
التاسع : يستفاد من قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ) ان طريق الإنسان الى العلم بالحقائق إنما هو منحصر بالاستدلال ، والحاصل من نصيب العلامات واقامة البراهين ، وانه لا مطمع لاحد في الاطلاع على الغيب فانه منحصر بالله تعالى وبمن يجتبيهم عزوجل.
وتعقيب هذه الآية الكريمة بقوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ) يدل على فضل الرسل ومزيتهم على سائر الخلق وقصور رتبة غيرهم عن الاطلاع على الغيب والوقوف على خفايا الأمور والأسرار التي لا بد من إصدارها عن طريق الوحي.
العاشر : الآية الشريفة لا تبين طرق التمييز بين الخبيث والطيب وإنما تدل على انه من الأمور التي تختص بالله تعالى وقد بين عزوجل في مواضع اخرى من القرآن الكريم تلك الطرق ولعل ذكر اجتباء الرسل بعد ذلك فيه الدلالة على ان جميع مجاهدات الأنبياء وغزواتهم وحروبهم ليس الا للتمييز بين الخبيث والطيب ، فتكون هذه الآية الكريمة بمنزلة العلة لجميع ما ذكر في غزوة أحد وسائر الغزوات والله تعالى هو العالم بما مضى وبما هو آت.
الحادي عشر : يدل قوله تعالى : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) على ان الايمان لا يكمل الا بالتقوى وان الأجر انما يكون على حسب الايمان المقترن بالتقوى والعمل الصالح.